مع مخاض ثورة الشباب بانجازاتها وتعثراتها, ومع همومها وأحلامها, ومع ضحاياها ومنطلقاتها التحريرية تتجلي قبلة المسيرة نحو عمق الإيمان بشعار(تعليم ديمقراطي لمجتمع ديمقراطي). ومعه تترسخ الرؤية بقيم الحرية والعدالة والكرامة, مقترنة بمؤسسات المشاركة المجتمعية, حقا وواجبا, وبضرورات ما يطلبه مجتمع المعرفة والبحث العلمي والتكنولوجي مع اتساع آفاقه وفيضه وثمرانه. ومع الالتزام بهذه القبلة ولكل ما تعانيه الثورة أحيانا من مد وجزر, قد حققت لنا اليوم في حارتنا مشرق الشمس والعجائب حسب رؤية نجيب محفوظ. ومن بين تلك الاشراقات ماتجلي في الخبر المذهل باعتماد إنشاء(جامعة أسوان) مع مطلع العام الدراسي المقبل2012 .2013 انه خبر لم نكن نصدقه من قبل رغم العديد من المطالبات والوعود السابقة. واليوم كيف لا نصدق مع اشراقات الثورة وتحدياتها( وبناة الأهرام في سالف الدهر قد كفوني التنقيب عند التحدي) مع أم كلثوم. ومع وعد الحر بإنشاء جامعة أسوان ليكون في مصر(19) تسع عشرة جامعة حكومية, تتدافع ذكرياتي في عمر يمتد نحو(85) عاما في تاريخ التعليم حين لم يكن في مديرية(محافظة) أسوان من جنوبها الي شمالها سوي أربع مدارس ابتدائية في عنيبة بالنوبة, وأسوان, كوامبو, وادفو. كذلك لم يكن بجنوب الصعيد أي مدرسة ثانوية علي الإطلاق إلا بدءا من مديرية جرجا(دردا) وهي محافظة سوهاج( صهاج) حاليا. وفيما أتذكر لم يكن هناك في مديريات جنوب الصعيد مدارس ثانوية للبنات حتي بداية الحرب العالمية الثانية.1940 وكذلك لم يكن هناك تعليم بالمجان في أي من مختلف المراحل التعليمية إلا للعشرة الأوائل من المتميزين, مقترنا بشهادة فقرهم المعتمدة رسميا, والتي تقدم سنويا خشية أن يكون أهل الطالب قد أصبحوا من الأغنياء بين سنة وأخري!!! إن محافظة أسوان جديرة بجامعاتها, حيث تتنوع مختلف أنشطتها الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية والصناعات الصغري ومحاجرها الذهبية, وآثارها الفرعونية ولاننسي السد العالي العظيم وبحيرة ناصر وثروتها السمكية. وتتطلب كل تلك الأنشطة العمل علي تنميتها وتوفير القوي البشرية من خريجي الجامعة من أهلها. والخلاصة أننا نبارك ونحيي قرار إنشاء جامعة أسوان, وندعو إلي أن يتحقق هذا المشروع في العام المقبل, وألا تحول دون البدء للإعداد فيه منذ الآن أي صعوبات, بخاصة إذا ما حدثت تغيرات في تأليف الوزارات. وأهالي أسوان في أعمق الشوق ليروا علم جامعتهم يرفرف إلي جانب علم جمهورية مصر العربية. كما أنها سوف تنمو وليدا شرعيا ثوريا في سبيل تيسير فرص العدالة مع المحافظات الأخري, وفي تيسير فرص التعليم الجامعي لأكبر عدد من فتيات المحافظة, وربما بعض من شباب السودان للمشاركة في تنمية مجتمعاتهم دون الحاجة إلي الهجرة إلي الشمال ومدنه وعواصمه. كذلك أود أن أركز علي أهمية إنشاء كلية للطب بنين وبنات, مؤكدا علي زيادة قبول أعداد من فئة الطبيبات من بنات أسوان, واللائي حرمن من هذا التخصص وخدماته, إلا للعدد المحدود جدا ممن أتيح له التخصص في جامعتي أسيوط أو سوهاج. هذا فضلا عن تقاليد المنطقة من خشية اغتراب بناتها خارج المحافظة. ويضاف إلي ذلك ماتتيحه تلك الجهود الطيبة و الإنسانية والاجتماعية التي بذلها, ولا يزال, جالينوس الطب والجراحة السير مجدي يعقوب في تطوير إمكانات عمليات الطب والجراحة في مستشفيات أسوان. ومن ثم يتاح لطب أسوان من الإعداد والتأهيل علي يديه ما هي جديرة به. ودعونا نغني لقد( عادت أسوان أرضها الذهب). والحاصل أن الصعيد كان محروما تعليميا, وأقرب جامعة لطلابه كانت جامعة أسيوط, حتي أنشئت كليات جامعية لجنوبالوادي عام1995, لتضم محافظات أسيوطوسوهاج وقنا وأسوان. ومن ثم يمكننا تصور حرمان الصعيد الأقصي وخاصة في محافظة أسوان, من التحاق طلابها والأدهي طالباتها من التعليم الجامعي, ومن المشقة والمعاناة حتي للعدد القليل من أولياء الأمور من كبار الملاك الزراعيين والتجار ممن يستطيع أن يشد الرحال للالتحاق به. ومع عقود الخمسينات تنامي إنشاء المدارس الابتدائية في القري, ومع الستينات والسبعينات بدأت تتأسس المدارس الثانوية للبنين, ومنها ما كان للتعليم المختلط بين الجنسين في المراكز الإدراية وفي القري الكبيرة وتوابعها من النجوع والعزب. ومع توافر مؤسسات التعليم الأساسي والثانوي, توسعت طموحات الفلاحين والعمال وصغار الموظفين من السكان إلي التعليم الجامعي مع مجانيته عام.1961 ولقد كان لما صحب سنوات إنشاء السد العالي والتوسع في زراعة قصب السكر دور في تحسين فرض العمل وتحسين الدخول. وبذلك أيضا أصبح تعليم البنين والبنات في مراحل التعليم المختلفة جزءا لا يتجزأ من طموحات بل واجبات العائلة في مختلف أرجاء المحافظة. وتجيء سياسة( الأقلمة) في التعليم الجامعي خطوة في تيسير الالتحاق بالجامعات بحيث تنشأ جامعة في كل محافظة علي الأقل. ولم تعرف محافظة أسوان مذاقا للتعليم الجامعي الحكومي إلا بعد إنشاء كلية التربية عام1973, وكلية العلوم عام1975, وكلية الخدمة الاجتماعية وكلية الهندسة عام.1996 وليس في اسوان من المعاهد العليا التابعة لوزارة التعليم العالي سوي المعهد العالي للطاقة. ومنذ ثلاثة أو أربعة أعوام أنشئ بها فرع لأكاديمية العلوم التكنولوجيا وعلوم البحار بالإسكندرية والتابعة لجامعة الدول العربية بمصروفات ومع هذا الحرمان الطويل لأسوان من التعلم العالي بمختلف كلياته وتخصصاته النظرية والعلمية والتكنولوجية, يغدو إنشاء جامعة مستقلة عن جنوبالوادي في أسوان أولوية تستدعي التنفيذ بعد أن ظلت عدة سنوات تداعب آمال الأسوانيين, ومع تزييف الوعود حتي من رئيس الجمهورية السابق.