منذ أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الابن "الحرب على الإرهاب" عقب أحداث 11 سبتمبر عام 2001م، وهذا المصطلح متميع، وغير محدد، ويُظهر مروّجوه خلاف ما يبطنون، حيث يسيرون في هذه الحرب دون أن يصرحوا بماهية هذا الإرهاب الذي يقصدون. وبالطبع كل ذي عقل يرفض الإرهاب الذي هو ترويع الآمنين والاعتداء على الأوطان والمقدسات بدون وجه حق، ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم نهى عن ترويع الآمنين والاعتداء على أهل الذمة، إلا أن المراد من هذه الحرب ليس هذا الهدف، ولكنه هدف آخر يخفونه أحيانًا ويظهرونه أحيانا أخرى. لقد أعلنها بوش الابن "حملة صليبية مقدسة" بالتحديد، وتم الغزو الأمريكي لأفغانستان التي لم يثبت قانونًا أنها ارتكتب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ثم العراق التي لم يثبت أن لديها أسلحة الدمار الشامل وإلا فأين هي؟ وخلال هذه الأحداث والحروب الظالمة أسفرت الشهادات الأمريكية عن أن المراد بالإرهاب هو الإسلام، الإسلام الرافض للحداثة الغربية والعلمانية الغربية والقيم الغربية على وجه الخصوص. وليس هذا محض افتراء بل هو كلام مؤكَّد بالأدلة والبراهين، حيث كتب المفكر الاستراتيجي الأمريكي "فوكو ياما" في العدد السنوي "للنيوز ويك" ديسمبر 2001م، يقول: "إن الصراع الحالي ليس ببساطة ضد الإرهاب، ولكنه ضد العقيدة الإسلامية الأصولية، التي تقف ضد الحداثة الغربية وضد الدولة العلمانية، وهذه الأيديولوجية الأصولية تمثل خطرًا أكثر أساسية من الخطر الشيوعي، والمطلوب هو حرب داخل الإسلام، حتى يقبل الحداثة الغربية والعلمانية الغربية والمبدأ المسيحي "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"!. فالأمريكان الذين أبادوا حضارة الهنود الحمر بالمجازر وبنوا اقتصادهم على ظهور عبيد إفريقيا ودبروا الدسائس في شتى بقاع العالم باسم الحرية والديمقراطية، وارتكبوا مجازر بشعة بداية من هيروشيما ومرورًا بفيتنام وأبادوا شعوبًا بأكملها، وها هي الإدارة الأمريكية تنتقل من مجزرة الى أخرى متسببة في هلاك البشر الأبرياء، وليس ببعيد منا إبادة الشعبين الأفغاني والعراقي وكذلك السماح بتدمير الشعبين السوري والفلسطيني، إنها سياسة أمريكا وأعوانها من الأوروبيين على مر التاريخ وعلى رأسهم بريطانيا وحقدها على الإسلام منذ الحملة الصليبية فلن يهدأ لهم بال حتى يقوضوا كل أنظمة الحكم في العالم العربي والإسلامي كله. وما يحدث اليوم من تجفيف منابع التعليم الديني خصوصًا والتضييق عليه والعبث بالمناهج التعليمية وعرض خطاب ديني مهلهل غير مقنع ولا شافٍ، وإسناد مهمة تجديد الخطاب الديني لأناس يكرهون الدين أصلا قد يكون في حقيقة الأمر صناعة للإرهاب وليس حربا عليه؛ لأن كل هذه التصرفات قد تولد فكرا متطرفا منحرفا غير معلن ويصدر من أناس غير مؤهلين.
وما جرى في دراما رمضان هذا العام للأسف من حرب على القيم الأخلاقية وإسناد مهمة عرضها لفنانين وفنانات لم يتحرمن قداسة الشهر الفضيل فما بين ترسيخ للزنا وتبريره وما بين دعوة الشباب إلى العلاقات المشبوهة وتويج للمخدرات والتدخين دونما تقويم من أحد أو إرشاد هذا ما عملت مسلسلات رمضان على ترسيخه في الأذهان والعقول، كل هذا يولد حنقا وكبتا يؤديان بالطبع إلى صناعة الإرهاب، أما عندما تتجه أنظار إعلاميينا ومثقفينا إلى القيم وتعكف عليها وتقوم بترسيخها لدى النشء فهذه هي حرب الإرهاب الحقيقة. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر