مائة وخمسون عاماً مرَّت منذ أن سقطت فتاة فضولية اسمها "أليس" في جحر أرنب لتنتقل إلى عالم خيالي تحت الأرض يدعى" بلاد العجائب"، وتعيش مغامرات شيقة مع حيوانات وأزهار يمكنها أن تتحدث مثل البشر. ومازالت مغامراتها وشخصياتها التى كتبها البريطاني لويس كارول تمتع وتجذب أجيالاً من الأطفال والكبار على حد سواء منذ نشرها في عام 1865. فإلى جانب تحول الكتاب إلى علامة بارزة في أدب الطفل، تحولت "أليس" إلى مصدر إلهام لصناعة الدمى، سجلت القصة كذلك في كتاب مسجل صوتيا، وانتقلت إلى المسرح، ثم جسدت في أفلام خلال الأيام الأولى لصناعة السينما، وكانت جزءا من سلسلة في 1958 منها: "الساحر أوز The Wizard of Oz" و"محاكمة سقراط The Trial of Socrates". القصة التي نشرت عام 1865 رواها كارول للمرة الأولى في عام 1862، بينما كان وصديقه في رحلة بالقارب برفقة الطفلة أليس ليدل (10 سنوات) وشقيقتيها في نهر التايمز في أكسفورد, حيث كان عادةً ما يأخذ الصغار فى نزهة ويروى لهم الروايات التى يرتجلها. وبالصدفة أتت فكرة أليس التى كانت أصغر الفتيات اللاتى كن يذهبن معه فى تلك النزهات. أُعجبت الفتاة الصغيرة بالحكاي' وطلبت منه تدوينها لها فقرر أن يكتبها كى لا ينساها. وفي نوفمبر 1864 أعطى كارول أليس مخطوطة مكتوبة بخط اليد من "مغامرات أليس تحت الأرض"- الاسم الأصلى للرواية قبل أن تتحول مع الوقت إلى "مغامرات أليس فى بلاد العجائب"- مع الرسوم التوضيحية التى رسمها كارول بنفسه كهدية عيد الميلاد للطفلة .
بالتأكيد لم يعرف كارول أن روايته تلك ترجمت لأكثر من 71 لغة حول العالم وتتصدر الكتب الأكثر مبيعاً منذ نشرها وعلى مدى أربعة عقود.وأن هناك الآن أكثر من مائة طبعة باللغة الإنجليزية للكتاب، وكذلك النقل والتحويل والاستلهامات التى لا تعد ولا تحصى في المسرح والسينما.
ورغم مرور عقود عديدة, بل قرن ونصف قرن من الزمان, مازالت أليس تأسرالأطفال والبالغين بتصويرها المذهل والثوري للطريقة التي يبدو فيها عالم الكبار لعيني طفلة في السابعة من عمرها. ويرى نقاد كثيرون أن من ضمن أسباب احتفاظ الرواية بشعبيتها بين الأجيال المختلفة أن أليس كانت أول شخصية وهمية في أدب الأطفال تمتلك القدرة على إقامة حوار ذاتى داخلى، كما كانت بطلة الرواية الأولى بين الروايات الموجهة للأطفال التى تذهب إلى عالم مختلف عن طريق التنقل تحت الأرض. وتمكنت أليس من فرض رأيها وشخصيتها على كل الكائنات التى التقتها فى مغامراتها فعكست نوعا مختلفا ومتميزا من البطولة تمثل فى انتصار الخيال والطرافة على العضلات عبر طفلة عادية ذكية حالمة لا تمتلك أى قدرات خارقة ولكنها لا تخشي من المواجهة وترفض التقيد بقوانين الآخرين خاصة الكبار ومن هم أكبر حجما ونفوذا منها.
ولعل جزءاً من السبب أيضا فى أن مغامرات أليس في بلاد العجائب صارت نقطة تحول في أدب الأطفال هو طريقة التناول المختلفة عن معظم كتب الأطفال الشائعة التى مازالت متداولة حتى الآن والتى تركز بصرامة على التربية الأخلاقية للطفل وتحسين سلوكياته كى يكون طفلا جيدا بعيدا عن أى تسلية أو إثارة لخياله. إلا أن لويس كارول غير كل ذلك. فبدلا من كتابة التعليمات للأطفال داعب كارول خيالهم وكرس لانقلاب فى الطريقة التى يتم بها تصوير الأطفال والكبار فى وقت سابق عبر قاعدة أليس الصغيرة بشأن كون البالغين لا يعول عليهم وعليها أن تجد طريقها وحلول مشكلاتها بنفسها.
ومؤخراً كشف المنتج والكاتب الإنجليزي، أوليفير أنسلي، لصحيفة "الجارديان" البريطانية عن بعض الحقائق التي قد لا يعرفها الكثيرون حول الرواية ومؤلفها لويس كارول, والتى من بينها أن الشجرة التي يقال إنها ألهمت كرول شخصية القط تشيشاير فى الرواية تقع فعلا في حديقة خلف منزل الطفلة أليس ليدل. كما أن حساء السلحفاة حقيقي! حيث كان أحد الأطباق الشعبية في إنجلترا في العصر الفيكتوري, وأن كارول أصدر عام 1980 نسخة مختصرة لمغامرات أليس في بلاد العجائب للأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات, وأن الرواية تم حظرها في الصين في 1931 بحجة أن الحيوانات لا يجوز أن تستخدم لغة الإنسان!
كذلك معاناة لويس كارول من اضطراب عصبي نادر، أدى بعد ذلك إلى نوع من الهلوسة، فكان يرى الأشياء بحجم أكبر أو أصغر من حجمها الأصلي، الأمر الذي يظهر بشكل كبير في الرواية، وأطلق على المرض الذي اكتشفه الطبيب النفسي الإنجليزي، جون تود، في 1955 اسم "متلازمة أليس في بلاد العجائب"، ويعرف أيضا باسم "متلازمة تود".
وقد احتفلت بريطانيا هذا الشهر بذكرى مرور 150 عاماً على نشر قصة "أليس" في أرجاء البلاد من خلال أعمال جديدة ترتكز على مغامرات أليس عبر عدد من الفعاليات الثقافية والفنية.
يذكر أن لويس كارول (1832-1898) هو الاسم المستعار للكاتب وعالم الرياضيات والمصور الفوتوغرافي البريطانى تشارلز لوتويدج دودسن.