لعلّ إحدى سماتنا البارزة أننا نكرّر الأسئلة ذاتها بقدر ما نعرف إجاباتها. لكن ولسبب غير مفهوم نظل نراوح مكاننا دون أن ننجز شيئاً. وسيناء حصننا الشرقى نموذج لذلك. فالإرهاب الأعمى الذى يطل علينا كرأس الأفعى بين الحين والآخر ينفث الدمار ويلعق الدماء يطرح أكثر من سؤال. كل سؤال سبق طرحه وتقديم إجابات عليه، واقتراح كيفية تنفيذ هذه الإجابات. لكن ما زالت المسافة بين الفكرة وبين الفعل فى وادينا الرتيب طويلةٌ.. وخطوُنا بطيءٌ.. ونفسنا قصيرٌ.. أول الأسئلة المعلّقة عن سيناء هو كيفية مواجهة هذا الإرهاب الفاجر بما يلزم ويكفى من الاستعداد والقدرات العسكرية فى ظل اتفاقية سلام بيننا وبين إسرائيل تحول بيننا وبين هذه الاستعدادات والقدرات ؟ فمن المعلوم أن اتفاقية السلام تُقلِص حجم الوجود العسكرى على جزء غال لا يتجزأ من أراضينا. وبدون الدخول فى تفاصيل تتجاوز حدود هذه المساحة فإن واقع الإرهاب الدائر فى سيناء يوجب علينا مناقشة هذه المسألة من منظور قانونى وفقاً لأحكام القانون الدولى ذاتها. المعطيات على أرض الواقع تقول إن الإرهاب فى سيناء قد تحوّل من مجرد جريمة إرهابية إلى جماعات إرهابية منظمة عابرة للحدود، ثم ها هو يتطور ليمنح نفسه وصف الولاية أو الدولة. معنى ذلك أننا أمام إرهاب دولى منظم ذى قدرات عسكرية تضارع أحيانا الجيوش التقليدية، وهو ما رأيناه فى الأعمال الإرهابية الأخيرة فى سيناء. هذا الواقع الجديد لم يكن قائماً وقت إبرام اتفاقية السلام مع إسرائيل. ولأن هذا الواقع يمثل متغيراً خطيراً وجوهرياً فإنه يرقى بلا منازع لأن يصبح سبباً قانونياً ومبرراً واقعياً لطلب تعديل بعض بنود اتفاقية السلام مع إسرائيل على نحو يتيح مواجهة الإرهاب فى كل أنحاء سيناء بلا استثناء. يتأسس هذا الطلب على نظرية التغير الجوهرى فى الظروف كسبب لتعديل المعاهدات الدولية وفقاً لأحكام القانون الدولي. والفقه الدولى مستقر على التزام أطراف المعاهدة بالتفاوض مع الطرف المتضرر من أجل محاولة الوصول إلى اتفاق حول تعديلها بما يتناسب مع الظروف المتغيرة، فإن لم يتيسر حل المشكلة بطريق التفاوض وجب الالتجاء إلى التوفيق أو غيره من وسائل حل المنازعات بالطرق السلمية. هذا يعنى أن بعض القيود التى تفرضها اتفاقية السلام مع إسرائيل ليست قدراً أبدياً محتوماً، فنحن أصحاب حق قانونى مؤكد فى التفاوض من أجل معالجة هذه القيود وتعديل النصوص الخاصة بها. أساس هذا الحق لا يستمد فقط من نصوص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات أو السوابق التاريخية المماثلة أو الأعراف الدولية لكن يستند أيضاً إلى حق الدولة فى ممارسة جميع مظاهر سيادتها على كل امتداد أراضيها، ثم وهذا بعد هام آخر للضرورات الملحّة التى تفرضها مكافحة الإرهاب الدولى دفاعاً عن أمن مصر وسلام العالم كله وذلك وفقاً لما تقرره المواثيق الدولية والقرارات الأممية، وما أكثرها فى هذا الموضوع. من أسئلة سيناء المعلّقة أيضاً موضوع تنمية سيناء، الذى طالما تحدثنا بشأنه، وعنه قدمت الكثير من الرؤى والمقترحات لكن التنفيذ يبدو بطيئاً متعثراً. سيناء اليوم فى ظل ظروف وملابسات اللحظة الراهنة تحتاج من بين أمور كثيرة إلى ثلاثة متطلبات. التنمية وتقوية الانتماء الوطني، واستعادة الثقة. عن التنمية أولاً فالمسافة بين النوايا والأفعال طويلة بما لم تعد تحتمله تطورات الأحداث. ربما تكون العين بصيرة واليد قصيرة كما يقول المثل الشعبى لكن إرادة الأمم لا حدود لها. فتجربة اليابان وألمانيا اللتين خرجتا من تحت الأنقاض مازالت ماثلة فى الأذهان. ثمة أفكار بسيطة يمكن اختبارها. لماذا لا يكون لتنمية سيناء أولوية خلال فترة زمنية معينة على غرار ما نسميه بالتمييز الإيجابى حتى ولو اقتطعنا من موازنة الدولة جزءاً مستقلاً لتنمية سيناء على مدى خمس سنوات مثلاً؟ وإذا كان لدينا مثل هذه الخطة فهل تم الإعلان عن تفاصيلها على نحو ما يجب؟ لماذا لا يفكر كل وزير مثلاً فى الانتقال وممارسة مسئولياته على أرض سيناء لأسبوع أو أسبوعين للتعرف على تفاصيل الواقع بعيداً عن التقارير والملفات المكتوبة؟ ألا ينطوى ذلك على دلالة رمزية يحتاجها أهل سيناء؟ لماذا لا يتم الاحتفاء بشكل خاص بأول الثانوية العامة فى سيناء؟ وبالأم المثالية فى سيناء؟ وبأفضل عمل فنى وأدبى عن سيناء؟ ترسيخ الانتماء الوطنى لأهلنا فى سيناء أصبح اليوم ضرورة ملحّة بأكثر من أى وقت مضى لا سيما فى ظل ما تخلّفه ضرورات مكافحة الإرهاب من غصّات أو ندوب أو جراح هنا أو هناك. ترسيخ الانتماء الوطنى لا ينفصل عن استعادة الثقة. فمعظم الكتابات والدراسات عن سوسيولوجيا المواطن السيناوى تكاد تجمع على وجود أزمة ثقة مكتومة بين المواطن والدولة (وهى أزمة ثقة متبادلة أحياناً). ومن المؤكد أن تجسير هذه الثقة ممكن ووسائله كثيرة. السؤال المعلّق الأخير حول سيناء، ولعلّه السؤال اللغز هو من أين أتى الإرهابيون فى سيناء؟ وكيف تغلغلوا؟ ومن زوّدهم بكل هذا العتاد والسلاح؟ الإجابة المتاحة، وربما الوحيدة، هى البحث عن المستفيد مما يحدث فى سيناء. هنا الحذر واجب من التسرع (والتطوع) بإعطاء إجابات انطباعية أو استنتاجية بلا أدلة كافية. هذا عمل يتجاوز إمكانات المثقف أو الأكاديمي. لكن المؤكد أن هناك المُحرّض ، والمتواطئ، والمنفذ الأصلي. يبقى أن نعرف مَنْ مِن هؤلاء يلبس الجِلباب، والطاقية، والقبّعة؟ --------------- قالوا.. لكل ضربٍ من الحديث، ضربٌ من اللفظ! لمزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم