من المفارقات في تاريخنا الحديث والمعاصر, أن يحظي دستور مصر باهتمامات المصريين مع صدور أول دستور عام.1923 ويتضاءل هذا الاهتمام مع صدور الدساتير والإعلانات الدستورية أعوام1962,1958,1956,1953,1924,.1971 ومن مظاهر اهتمام المصريين بصدور دستور1923 نركز علي مبادرة الفنان الراحل محمود مختار(1891 1934) فقد صدر الفنان رمز الدستور في مصر في عمله الفني الرائع المعروف حاليا باسم نهضة مصر وأزيح عنه الستار عام1928 في ميدان محطة مصر( باب الحديد ميدان رمسيس آنذاك) ثم نقل عام1955 امام جامعة القاهرة. وصور الفنان رمز الدستور في مصر تمثال الفلاحة( التي ترمز إلي الوطن) ترفع يمناها بالقسم علي احترام مبادئ الدستور بينما ترتكز بيسراها علي منبر الحكم المكتوب عليه شعار( الأمة مصدر السلطات) ويري د. صبحي الشاروني في كتابه( ذاكرة الأمة) ان محمود مختار بثقافته الفرنسية كان واعيا بأوجه التشابه بين ثورة1919 الوطنية في مصر والثورة الفرنسية التي قامت في أواخر القرن الثامن عشر, وكما رفعت الثورة الفرنسية شعارات( الحرية الإخاء المساواة), نادي مختار بشعارات ثلاثة للثورة المصرية هي( الإدارة العدالة الدستور) وهي أركان الحرية وشروطها الأساسية, مؤكدا ان حرية بلا دستور هي حرية غير مضمونة وغير تابعة. ولاعجب ان يتواصل تقدير فئات الشعب المصري بدستور1923 حتي الآن ابتداء من اساتذة القانون الدستوري في أروقة ومدرجات ومؤلفات اساتذة كليات الحقوق والعلوم السياسية والاقتصادية والاجتماع.. الخ فقد اعتبروا دستور1923 خطوة مهمة في التطور الدستوري والسياسي لمصر حيث عبر هذا الدستور عن انتقال مصر من وضع الدولة التابعة إلي وضع الدولة المستقلة قانونيا فقد نقل نظام الحكم في مصر من مرحلة الحكم المطلق إلي مرحلة الحكومة الدستورية والحكم الملكي المقيد وأكد مفهوم الدولة القانونية التي تقوم علي توسيع السلطات العامة بين الملك والوزارة البرلمان, كما عبر الدستور في المادة الأولي عن ان مصر دولة ذات سيادة وهي حرة ومستقلة, بما يعني انتقال مصر من وضع الدولة التابعة الي وضع الدولة المستقلة قانونيا, كما نقل الدستور نظام الحكم في مصر من مرحلة الحكم المطلق إلي مرحلة الحكومة الدستورية والحكم الملكي المقيد, وأكد مفهوم الدولة القانونية التي تقوم علي توزيع السلطات العامة بين الملك والوزارة والبرلمان, كما عبر الدستور في المادة الأولي عن ان مصر كدولة ذات سيادة وهي حرة ومستقلة كما تضمن الباب الثاني منظومة حقوق وحريات عامة, ومع تحديات انصار الحكم المطلق الموالين للملك صدر الأمر الملكي بحل البرلمان عام1930, ووضع دستورا جديدا كان بمثابة الغاء لجميع الحقوق الديمقراطية الأساسية التي تضمنها1923 اذا كان يعلي من سلطة الملك وجعله مركز السلطة. هكذا دام دستور1923 سنوات سبع ديمقراطية غير مسبوقة في تاريخ مصر السياسي وعبرت مختلف فئات الشعب المصري آنذاك بدستور1923 طوال السنوات السبع. ومن حق الجيل المصري المعاصر معرفة المشوار الدستوري الطويل عبر وقائع تاريخ مصر الحديث والمعاصر. ويعد المشروع الحالي لتعديل دستور مصر هو المشروع الرابع للتعديلات الدستورية علي دستور1971 حيث جري التعديل الأول في22 مايو1980, والتعديل الثاني في26 فبراير2005, والتعديل الثالث في26 مارس.2007 ومع مراجعة نصوص التعديل الدستوري الأخير حاليا تبدو أهميتها اكثر من تعديلات السنوات السابقة, وتكفي الإشارة إلي ما جاء في سياق مانشيت الأهرام في3 مارس الحالي حيث أكد الخبراء ان مصر مطالبة باحترام اتفاقية الحقوق والحريات الثقافية التي وقعتها حتي لاتدرج مرة اخري ضمن القائمة السوداء, حيث تتناول نصوص التعديل الدستوري الأخير منظومة التعهدات الجديدة التي علي مصر الالتزام بها سواء في سياق النص الدستوري أو في سياق منظومة القوانين العامة. {{{ ولعل المتغيرات الاجتماعية التي تجتاح المجتمع المدني المعاصر بمنظماته ونقاباته تفرض تداعي سخونة أحداثها اخيرا إلي اعادة النظر أو مراجعة النصوص الدستورية التي تتناول شأن المجتمع المدني المصري ومتغيراته, وفي مقدمتها مراجعة مبادئ الحريات النقابية المهنية والعمالية.. حيث لاحظ أن مثل تلك الحريات لم تحظ بأهمية ملحوظة حيث وردت في سطور مختصرة. المزيد من مقالات د. أحمد يوسف القرعى