فى رحاب جزيرة ألمانية صغيرة لا تتجاوز مساحتها كيلو مترا مربعا يجتمع كل عام صفوة من العلماء الحائزين على جائزة نوبل مع ثلة منتقاة من شباب العلماء من جميع أنحاء العالم. فهناك تتوحد العقول المتوهجة بشغف العلم فى حوار ممتد بين الأجيال، وتنتقل فيه الرؤى والخبرات، وتبث عبره روح من الإلهام والإبداع، وتمتد آثاره عبر المكان والزمان لاستشراف مستقبل مفعم بالأمل. هذا هو ملتقى «لينداو» السنوى لحائزى جائزة نوبل، ذلك الاحتفاء الفريد من نوعه بالعلم والإنسان، والذى يقام كل عام بجزيرة «لينداو» الصغيرة الجميلة على ضفاف بحيرة «كونستانس» جنوبألمانيا، ومثل الأعمال العظيمة فقد بدأ الأمر بفكرة بسيطة منذ أكثر من نصف قرن، تحديدا عام 1950 حين اقترح طبيبان ألمانيان هما «جوستاف باردا» و «فرانز كارل هاين» على الكونت السويدى «لينارت برنادوت» دعوة عدد من العلماء الحائزين على جائزة نوبل فى الطب إلى ملتقى علمى يتاح فيه للطلبة الألمان التواصل مع هؤلاء العلماء، وذلك بغرض كسر جدار العزلة العلمية المفروضة على ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من صعوبة تنفيذ الفكرة حينها إلا أنه تمت إقامة ملتقى لينداو الأول عام 1951 بحضور سبعة فقط من العلماء الفائزين بجائزة نوبل، ولاقى الملتقى استحسانا كبيرا جعل أصحاب الفكرة يسعون لتكرارها، ودعوة علماء آخرين حاصلين على نوبل فى مجالات أخرى، ليتحول هذا التجمع العلمى إلى ملتقى ينعقد سنويا بمشاركة علماء نوبل فى مجالات الطب والفيزياء والكيمياء بالتناوب، كما تم التوسع فى دعوة الطلاب وشباب العلماء للمشاركة من جميع أنحاء العالم. وقد أصبح هذا الملتقى الأن أحد أهم الأحداث العلمية فى العالم، والتى يشارك فيها سنويا نحو 30 من حائزى نوبل، بالإضافة إلى ما يقارب 600 من العلماء الشباب. وعلى الرغم من أن البناء الأساسى لملتقى «لينداو» هو المحاضرات التى يلقيها علماء نوبل عن أحدث أبحاثهم، ورؤاهم العلمية المستقبلية، ورحلات حياتهم بين رحاب العلم، إلا أن روح «لينداو» الحقيقية تتجلى فى اللقاءات العلمية المنعقدة بين العلماء الصغار وحائزى نوبل فى جو ودى مقصود ومعد له بعناية، يختلف عن أجواء المؤتمرات العادية، حيث يتاح لهم عرض ومناقشة أبحاثهم مع هؤلاء العلماء الكبار فى مناخ علمى يمزج الحماسة بالحكمة، ويسعى لإذكاء روح العلم المتوهجة لدى الشباب بقبس من خبرة الشيوخ، ليوفر الملتقى بذلك فرصة فريدة من نوعها للتعلم المباشر واستلهام النجاح والتواصل بين الماضى والمستقبل. ومن نافذة «بريد الاهرام» العريقة أدعو المجالس القومية المتخصصة التابعة لرئاسة الجمهورية لإقامة ملتقى على غرار «ملتقى لينداو» ويتم اختيار مدينة مصرية عبقرية يعقد فيها ولتكن مدينة شرم الشيخ أو أى مدينة أخرى ويطلق عليه «ملتقى الامل» ويتم فيه دعوة عدد من المتخصصين فى شتى العلوم من الحائزين على جائزة نوبل وبينهم د. أحمد زويل، فى لقاء مع طلاب الدراسات العليا وشباب الباحثين من شتى الجامعات ومراكز البحوث فى مصر، والذين لا تزيد أعمارهم على 35 عاما يتم اختيارهم بعناية فائقة بناء على ترشيحات جهات علمية ذات شراكة مع الجهة المنظمة للملتقى، فى موضوع معين يتم تحديده كل عام طبقا لأهمية ذلك لدى مصر ويجلس هؤلاء الشباب مع عباقرة العلم يتدارسون ويناقشون ويطرحون أفكارهم وتصوراتهم العلمية فى نقاش علمى مفتوح.إن عصرنا هو الأكثر إتاحة لفرص التواصل بين العلماء والعامة مقارنة بأى وقت سابق، وذلك بسبب الطفرة الهائلة التى شهدها الإعلام على مستوى العالم، الأمر الذى زاد من ضغط الجامعات والشركات وجهات التمويل البحثى على العلماء للتواصل مع المجتمع بشكل أفضل، لتوضيح ما الذى يقومون به، ولماذا يبذلون من أجله كل هذا الجهد، لكن بالطبع فإن عملية التواصل تستنزف وقتا ومجهودا من العلماء، لذا يجب الحرص دائما على إيجاد التوازن بين البحث العلمى والحديث عنه عبر الإعلام. د. حامد عبد الرحيم عيد أستاذ بعلوم القاهرة ومدير مركز دراسات التراث العلمى