اتخذ الدكتور مصطفى عبد الغنى هذا الاسم عنوانا لكتابه الجديد ( رقم 102 فى سلسلة مؤلفاته) ولعل العنوان يفتح الباب مجددا، فى قضية الاهتمام الغربى بالتراث العربى الإسلامي، بينما عينه على الواقع الحالى للعالمين العربى والإسلامي، محاولا التسلل تحت قناع العلم والبحث عبر مناهج ومراكز بحثية تثير الريبة، فقد بدأت العلاقة مريبة بين الاستشراق والتبشير منذ فترات مبكرة من التاريخ فى العصر الحديث. وهذا الكتاب دراسة مهمة تمهل فيها المؤلف عند تجربة ترجمة القرآن للمستشرق الفرنسى جاك بيرك «كمثال» الذى مثل نموذجا فريدا لهذا الاستشراق قبل أن يتحول الباحث أو المترجم هنا إلى المراكز البحثية think tank وليصبح المستشرق التقليدى فيها هو الباحث الخبير الذى يعمل تحت إمرة الجهات المخابراتية وهوما تجسد بالفعل فى ظاهرة المراكز المتعددة فى نهايات القرن العشرين وبدايات الحادى والعشرين بكل ما تحمله الظاهرة من دلالة حركة الاستعمار الغربي. وهذا هو ما سعى المؤلف لتأكيده بشكل علمى عبر هذا الكتاب. فمن خلال ترجمات معانى القرآن كان يعكس المستشرقون المترجمون فى الغرب ميولهم واتجاهاتهم الفكرية متساندين على مواقف تتسم بالسلبية تجاه ما يقدمون من صور عن القرآن بوصفه المرجع الروحى الأول والأهم والأقدس للمسلمين، لكن تحت غطاءات بحثية متدثرة بالعلم. ويلاحظ المؤلف أنه على الرغم من أن جاك بيرك لم يكن أول من ترجم معانى القرآن الكريم ، فقد سبقته فى اللغة الفرنسية خاصة، أكثر من عشرين ترجمة؛ فإن ترجمته هنا تعد من آخر الترجمات وأهمها، فصاحبها كان عضوا فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة، بل ويعد من المستشرقين القلائل الذين لهم مقعد فى المجمع، كما مارس عمله بشكل جاد بالمغرب العربى لسنوات وهو بهذا يمكن أن يترجم ما يريده هو وليس المترجم الوضوعى وهو خطر آخر يضاف إلى هذه الترجمة، خاصة أن المسلمين فى فرنسا يصل عددهم الى عشرة ملايين مسلم، لا يعرف الكثير منهم اللغة العربية. وهنا تتحدد أكثر خطورة هذه الترجمة؛ فجاك بيرك هو الذى يترجم معانى القرآن الكريم وهو رجل موثوق به فى الدوائر العلمية العالمية الى حد كبير وهو ما يحمل خطرا داهما من وعلى ترجمته لمعانى القرآن الكريم. والحقيقة التى يشير إليها عبد الغني، هى أن جاك بيرك كان أقرب إلى المستشرق الخبير الذى يعمل فى المراكز البحثية الغربية، بهدف تقديم الدلالات كما سعى اليها المشرق الغربى عبر منهج بحثى صارم أراد أن يترجم به الذائقة الغربية ويوجه الخطاب الغربى كما يريد أن يفهمه الاستعمار فى دلالاته المعروفة أو كما يراه الخبير المعاصر فى مراكز الأبحاث الغربية كما تريده الإمبريالية. فالمستشرق الجديد يجمع بين علمه وتبعيته للمخابرات مهما حملت من أسماء كهذه المراكز البحثية التى انتشرت بمسميات مختلفة وارتباطات عنصرية ومالية مشبوهة.. وما انتهى اليه المؤلف وهو يتتبع دورة الاستشراق الغربى من غبن للشرق الإسلامى عبر مستشرقى الغرب غبن أعنف عبر تحول الاستشراق التقليدى الى استشراق من نوع آخر يمكن أن يسمى فى الولاياتالمتحدةالامريكية اليوم (بالاستشراق الجديد). فلم نعثر على المترجم المستشرق المنصف فى جميع الحالات خاصة فى هذه الترجمات أو الكتابات الجديدة.. الأكثر من هذا ما سعى المؤلف للبرهنة عليه من أن التأثر بالخط الميثولوجى فى ترجمات القرآن سواء التى تأثرت بالكتب الدينية - العهدين القديم والجديد- أو الأساطير اليونانية التى فاقت الحد، فالعقل الغربى يرى - متعمدا، أن القرآن الكريم أخذ من أرسطو والإسكندر الأكبر وأسطورة سيزيف وأفكار أخرى تكررت فى الخط الميثولوجى فى ترجمة معانى القرآن الكريم، ملاحظا هذا الخط الميثولوجى الكارثى النزعة، لدى جاك بيرك رغم اجتهاده, فى الترجمة الفرنسية، فإن هذا كان يعنى بوضوح، أن الترجمة كانت تعكس حالة من النقد السياسى ولم تكن مجرد مشروع فلسفى وإنما كانت مشروعا مباشرا لمعاداة الفكر الدينى العربي. وهنا أشار المؤلف إلى أنه حين ننظر إلى الوراء، فإننا نجد المستشرق التقليدى صاحب التوجه الاستعمارى فى أوروبا، وحين ننظر الى الحاضر، نجد الميراث وقد توجه إلى الاتجاه الإمبريالى العسكرى فى أمريكا، فإذا كان الخطاب الأول يتحدد هنا فى صيغته الاستعمارية والتبشيرية، هل نذكر مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الأكبر- فى صيغته الإمبريالية الجديدة؟. وهذا ينقلنا الى البحث عن الدور العربى المفقود: فماذا نفعل إذن؟. وأين جهودنا نحن من ذلك؟ الكتاب: الاستشراق المعاصر ترجمة معانى القرآن الكريم نموذجا المؤلف: د. مصطفى عبدالغنى الناشر: دار الجوهرة 2014