انتفضت أوروبا عن بكرة أبيها تحاول أن تضع حدا للهجرة السرية التى تتعرض لها فى السنوات الأخيرة، وقد لجأت أخيرا الى إجراءات عسكرية لمنع وصول المهاجرين بعد أن ثبت أن شبكات من المافيا تتولى أمر هذه الهجرة غير الشرعية، التى باتت تمثل صداعا فى رأس أوروبا. والمدهش أن هذا النوع من الهجرة يدر أرباحا تبلغ 4.4 مليار دولار، وتعمل بعض المناطق فى العالم كمحطات ترانزيت مثل يوغوسلافيا «السابقة»، وتركيا، وهاييتي، وجزيرة ليلى بإسبانيا.. وهدف هؤلاء المهاجرين عدم البقاء فى بلدانهم.. فيقومون بتحمل المخاطر التى قد تصل الى الموت غرقا من خلال ركوبهم زوارق انتهى عمرها الافتراضي! وتذكر الإحصاءات أن التجارة فى البشر تحقق دخلا يتراوح بين 10 و15 مليار دولار، وهو رقم يقترب مما تحققه شبكات تهريب المخدرات أو غسيل الأموال.. وعلى أية حال تمثل الهجرة غير الشرعية «صداعا» فى رأس أوروبا بل يعتبرها كثيرون نوعا من النخاسة الجديدة، لأن أصحابها يتاجرون فى الإنسان.. وثبت مما يندى له الجبين خجلا أن عددا من المهاجرين يدفعون ثمن هذه الهجرة المشبوهة ببيع أعضاء من أجسادهم خصوصا «الكليتين».. وقد حاولت أوروبا أن تقف فى وجه هذا الطوفان فوضعت أسلاكا شائكة على حدودها الجنوبية.. إلا أن النصيحة السديدة فى هذا الموضوع، هى التعاون بين دول الشمال ودول الجنوب، وأن تنص اتفاقات المشاركة مع دول العالم الثالث على تقديم التسهيلات الواجبة لإعادة توطين هؤلاء المهاجرين فى أوطانهم.. وقد بلغ الأمر لحد أن الدول الأوروبية تقوم بعمل مشروعات صغيرة فى الدول المصدرة للهجرة لكى يعمل بها المهاجرون، بدلا من السفر شمالا.. لكن تبين أن المهاجر يعطى المشروع لأخيه أو لزوجته ثم يتجه ثانية الى السفر بطريقة غير شرعية، وهو ما اضطر دول الشمال الى اتباع طريقة عسكرية تعتمد على جمع معلومات استخباراتية ثم دفع المهاجرين الى العودة وهم مازالوا فى الطريق.. الغريب أن السلطات الليبية أبدت اعتراضا على اختراق مياهها الإقليمية والمعروف أن ليبيا تعتبر أكبر محطات الترانزيت للمهاجرين فى شمال إفريقيا.. وقد ارتعدت فرائص أوروبا عندما لاحظت أن القضايا الأمنية فى معظمها مرتبطة بالمهاجرين غير الشرعيين. فدولة مثل فرنسا لم يمر حادث شارل إبدو الإرهابى دون أن يلقى ظلالا مكثفة حول المهاجرين غير الشرعيين، خصوصا عندما تبين أن أبطال هذا الحادث كانوا من أبناء الجيل الثالث من المهاجرين. .. والحق أن حلقات أعمال العنف تزداد اتساعا يوما بعد يوم خصوصا فى هولندا التى يتجه إليها عدد كبير من المغاربة، وألمانيا التى توجد بها أكبر جالية تركية فى العالم.. والفوضى هنا وهناك ترجع للمهاجرين الذين لا يعرفون نظاما فى حياتهم كما قالت إحدى الصحف الألمانية؟! باختصار، لقد انضمت دول الاتحاد الأوروبى الى بعضها البعض لمواجهة الطوفان المهجرى القادم من دول الجنوب تارة باسم اللجوء السياسي، وتارة أخرى باسم اللجوء الاقتصادي.. والحق أن هذا الإجراء العسكري، الذى لجأ إليه الاتحاد الأوروبى أخيرا قد أثار عدة تساؤلات: أولا: مدى استعداد هؤلاء المهاجرين للاندماج أو الذوبان فى المجتمعات الغربية. ثانيا: هل هم والحالة هذه عون للاقتصاد الأوروبى أم عبء عليه. ثالثا: هل وجودهم يؤدى الى اتساع دوائر العنف، وهم رمز التشدد وهل هدفهم هو بالفعل أسلمة أوروبا كما يقال.. باختصار، لقد حدث فى هذا النوع من الهجرة انفجار فبلغ عدد المهاجرين فى العالم نحو 30 مليون مهاجر.. ليسوا جميعا من العرب.. لكن خوف أوروبا من القادمين من شمال إفريقيا وجنوبها دفع صاحب أحد المقاهى فى ضواحى باريس ليكتب: ممنوع دخول العرب والسود والكلاب! باختصار، لقد أصبحت أوروبا تتعامل مع المهاجرين على أنهم «الحشرة السوداء»، التى يجب سحقها فانتشرت شعارات النازية الجديدة وحالقو الرءوس فى كل أنحاء أوروبا تقول «لا للمهاجرين» وتطلب ترحيلهم مهما طال الزمن. لمزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي