الوفد 3/8/2008 من هو المهاجر؟ طوفان من المهاجرين تغيرات في سوق العمل معسكرات اعتقال الوقيعة بين العرب والأفارقة المساعدة الحقيقية مازال بعض المسئولين العرب يتحدثون عن محادثات ومفاوضات مع دول أوروبية لترتيب وتنظيم هجرة عرب إلي أوربا. ومازال الأفريقيون الهاربون من جحيم الحروب والصراعات القبلية وأنظمة القمع يتدفقون علي سواحل الجنوب الأوروبي، ويفقد عدد كبير منهم حياته في تلك المغامرة لتحقيق »حلم« الهجرة غير الشرعية! ولم يبحث هؤلاء المسئولون في الظروف الجديدة التي طرأت علي أسواق العمل وعلي التفكير الأوروبي في قضايا الهجرة. أما أبعد شيء عن تفكير هؤلاء المسئولين فهو توفير الظروف التي تغني مواطنيهم عن الهجرة أصلاً..! مازالت بعض الدول العربية تتحدث عن ضرورة تنظيم الهجرة من أهلها الي الدول الأوروبية أو الولاياتالمتحدة أو استراليا، كما لو كانت تريد أن تتخلص من أكبر عدد ممكن من أبنائها بعد أن عجزت عن توفير حياة لائقة لهم. ويستمر هذا الحديث عن الهجرة رغم كل الخطوات والاجراءات التي تتخذها دول أجنبية لفرض المزيد من القيود علي الهجرة، بل إن أحد أهداف مشروع »الاتحاد من أجل المتوسط« الذي يروج له الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي منذ فترة قبل تأسيس هذا الاتحاد في قمة باريس مؤخراً هو الحد من الهجرة من شمال ووسط أفريقيا إلي أوروبا. وقد لا تدرك بعض الدول العربية أن زمن التنقل الحر من دولة إلي أخري والهجرة المفتوحة.. قد مضي إلي غير رجعة مع تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ومع اتساع الفجوة الثقافية بين دول الشمال ودول الجنوب. وعلينا أن نعيد التفكير، بطريقة جدية، في موضوع الهجرة. فالأساس في هذه القضية أن كل دولة مسئولة عن مواطنيها وعن توفير مستوي معيشي ملائم لكل فرد فيها. أما أن تتحول الدولة الي قوة طاردة لأبنائها. بحيث لا يجدون سبيلاً لمواصلة الحياة سوي ركوب المخاطر للبحث عن فرصة للعمل والحياة في دول أخري.. فهو أمر يحتاج كما نقول إلي إعادة نظر. من هو المهاجر؟ لم تعد الحياة في الخارج سواء في أوربا أو غيرها سهلة. فقد أسفرت ممارسات الرأسمالية المتوحشة والعولمة النيوليبرالية عن المزيد من الضحايا من سكان العالم. وتعاني دول أوروبا والولاياتالمتحدة من البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، ومن اجراءات بوليسية وقمعية تتركز ضراوتها علي هؤلاء المهاجرين الوافدين من الخارج. وهناك من يري أن كل مهاجر »أناني«.. فلا أحد يترك مكانا أفضل الي مكان أسوأ. ولا أحد يتخلي عن أرض طيبة إلي أرض بائسة وتعسة من تلقاء نفسه وعن طيب خاطر. والمؤسف أن مجرد الهجرة إلي دولة معينة يعني الاعتراف بتفوقها أو بأنها الأفضل والأرقي بالمقارنة بالبلد الذي تركه المهاجر وراءه. هل توجد طوابير أمام سفارات بورما وهاييتي وبنجلاديش في عواصم الدول لطلب تأشيرة هجرة اليها؟ لا يوجد عاقل يرغب في الهجرة إلي تلك الدول. وفي السابق، كان هناك مستنيرون في الدول المتقدمة يدافعون عن الهجرة باعتبارها وسيلة لإثراء مجتمعاتهم بالمزيد من التنوع. الآن، أصبح الرأي السائد للأسف الشديد هو أن كل ما يسعي إليه المهاجرون هو إثراء أنفسهم وتحسين أوضاعهم. وفي السابق، كان هناك في أوربا من يهاجمون معارضي الهجرة باعتبارهم من دعاة تفوق العنصر الأبيض. الآن.. تخفت هذه الأصوات. وفي السابق، كان هناك من يستنكرون تجاسر الدول المضيفة علي فرض معاييرها الثقافية علي الوافدين من المهاجرين. .. الآن.. يتواري أصحاب هذا الرأي، وخاصة مع ازدياد موجات التطرف الديني والتعصب الأعمي لدي قطاع من هؤلاء المهاجرين. ومع ذلك، فاننا لا نستطيع إلقاء اللوم علي الانسان الذي ضاقت أمامه سبل الحياة في بلاده.. ويسعي الي البحث عن فرص أخري في بلاد أخري بشق الأنفس. طوفان من المهاجرين في عام 2000، تم تسجيل أسماء نصف مليون سوداني باعتبارهم لاجئين في دول أخري ، منهم 180 ألفاً في أوغندا و70 ألفاً في أثيوبيا »ثاني دولة تضم أكبر عدد من اللاجئين السودانيين«. وفي عام 2000 أيضاً، كان عدد اللاجئين السودانيين في مقاطعة أونونداجا »نيويورك« ثمانية آلاف بينهم عدد من الصوماليين والأوزبكستانيين. والمعتقد أن هذه الأرقام تضاعفت مرتين حتي الآن.. مع تفاقم الأوضاع في دارفور. وأحدث الاحصاءات التي توجد تحت يدي تؤكد أن المهاجرين من السودان الي الولاياتالمتحدة خلال الأعوام من 2000 الي 2004 بلغ 16 ألفاً ومائتي سوداني موزعين علي 42 ولاية، في مقدمتها تكساس واريزونا ونيويورك وتينيسي. وهناك مليون انسان اضطروا الي مغادرة دارفور بسبب الصراع الدامي هناك. ويوجد 110 آلاف لاجيء سوداني علي امتداد ستمائة كيلو متر، هي الحدود مع تشاد، وهي منطقة غير آمنة. تغيرات في سوق العمل وقد يتصور البعض أن المهاجرين السودانيين الي الولاياتالمتحدة من أصحاب الحظ السعيد.. وهذا غير صحيح. لقد بدأت الولاياتالمتحدة قبول اللاجئين من السودان في عام 2000، ومنهم من أطلقت عليهم تعبير »الأولاد الضائعون«، وهم الذين أصبحوا يتامي بسبب الحرب في جنوب السودان أو فقدوا الاتصال بعائلاتهم اثناء فوضي القتال الوحشي الذي اجتاح السودان منذ عام 1983. والمشكلة الكبري التي يواجهها المهاجرون السودانيون والأفارقة بوجه عام في الولاياتالمتحدة هي أن السوق انتقل من الخدمات التي تعتمد علي التصنيع الي الخدمات التي تعتمد علي المعرفة، والأخيرة ذات جوانب متعددة، وتتطلب وسائل تكنولوجية. وهؤلاء المهاجرون ذهبوا إلي هناك قادمين من بلدان تمزقها الحروب والصراعات القبلية أو تخضع لأنظمة قمع دموية أو اضطهاد عرقي أو ديني.. ولا مجال فيها للحصول علي قسط من التدريب أو فرص للتعليم. وهناك عقبات أخري تواجه هؤلاء المهاجرين، منها الجهل باللغة الإنجليزية، وانعدام الخبرة، والفوارق الثقافية. معسكرات اعتقال وعلي هذا، فان العمل الوحيد المتاح هو ممارسة أعمال النظافة أو غير ذلك من أشكال العمل اليدوي، لأن المهاجرين يفتقرون الي المهارات اللازمة للالتحاق بأعمال أو وظائف أكثر أهمية. وهكذا يواجه مهاجرو هذا الزمن متاعب أكبر بكثير من تلك التي واجهها أسلافهم، والسبب هو التغيرات التكنولوجية السريعة التي تغير هياكل أماكن العمل. ولا حاجة إلي القول إن المهاجرين غير الشرعيين يقضون وقتا قد يطول أو يقصر حسب الأحوال في معسكرات اعتقال باعتبارهم »غير مواطنين وغير قانويين«. وقد تلجأ الدولة التي هاجروا اليها بطريقة غير شرعية الي الوكالات التابعة للأمم المتحدة للبحث عن أماكن أخري لهم أو اعادتهم إلي بلادهم. وأغرب الأشياء في مأساة اللجوء أن السودان نفسه استضاف 310 آلاف لاجيء من دول مجاورة، رغم ظروفه المعروفة، وأول هذه الدول اريتريا وتشاد وأثيوبيا والكونغو، وجمهورية افريقيا الوسطي. ونتيجة للحرب الاثيوبية الارتيرية، لجأ الي السودان 240 ألفاً وأربعمائة اريتري، كما لجأ اليه أيضاً 45 ألف لاجيء من تشاد نتيجة الصراعات القبلية التي بدأت في الثمانينيات ويوجد في السودان 19 ألفاً و300 لاجيء اثيوبي. تداعيات خطرة ومن أخطر تداعيات الهجرة الأفريقية بوجه عام، والسودانية بوجه خاص، أن جماعات من السودانيين تهرب الي اسرائيل عبر الحدود المصرية وهناك من لقوا حتفهم من اللاجئين السودانيين في منطقة الحدود أثناء محاولتهم العبور الآن يوجد عدد يقدر بجوالي 2500 سوداني لاجيء في إسرائيل عبروا الحدود بطريقة غير شرعية خلال عامين والرقم المذكور حتي الثامن من أغسطس عام 2007. ومما يذكر أن 12 في المائة من هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين ينتمون الي دارفور. وفي البداية، قالت اسرائيل انها ستعيد المهاجرين غير الشرعيين الي مصر باستثناء الذين هربوا من حرب الابادة في دارفور. ولكن اسرائيل عدلت عن هذا الموقف في وقت لاحق، بعد أن اكتشفت انها يمكن ان تستخدم هؤلاء المهاجرين للدعاية لنفسها وابراز »تعاطفها« مع المقهورين الذين يذكرونها بضحايا »الهولوكوست« الألماني النازي »!« طالما انها ستسفيد من عملهم في »الكيبو تسات« الاسرائيلية وما دامت ستتولي إعادة »تربيتهم«. وهكذا نظمت السلطات الاسرائيلية زيارة يقوم بها المهاجرون السودانيون الي متحف »ياد فاشيم« عن ضحايا الهولوكوست النازي لكي تكتب وسائل الاعلام الاسرائيلية عن الدموع التي ذرفها السودانيون أمام صور الضحايا! الوقيعة بين العرب والأفارقة لماذا اكتب اليوم عن موضوع الهجرة؟ لأن الأخطاء في الممارسات الحكومية تؤدي الي ردود أفعال من شأنها تعميق الخلافات والانقسامات بين الشعوب. فقد قرأت مقالا في صحيفة »سودان تريبيون« التي تصدر في جنوب السودان باللغة الانجليزية كتبه »لوك كوت داك« »عدد 28 يونيو 2008« يقول فيه إن سكان جنوب السودان في حالة ذهول وضيق ازاء »حركة تحرير شعب السودان« بسبب سماحها بالتدفق غير المحدود للمصريين والفلسطينيين وجنسيات عربية أخري علي بلاده! ويزعم كاتب المقال ان هناك استعدادات جارية لترتيب هجرة خمسة ملايين مصري إلي السودان بحجة أنهم يتوجهون لاعادة الحياة إلي مشروع قطن الجزيرة الشهير »والذي يصنفه الكاتب بأنه فاشل وسييء السمعة«. وهنا يستنكر كاتب المقال أن أكبر دولة في أفريقيا، من حيث المساحة »السودان« ينظر اليها باعتبارها تعاني من نقص في أهلها المبدعين، القادرين علي أداء المهمة أو تعلم كيف يؤدونها. ويشير كاتب المقال الي أن هناك الملايين من السودانيين المهمشين الذين يحتاجون أشد الاحتياج الي فرص عمل.. الي جانب ملايين أخري موزعة ومشتتة في أنحاء المعمورة اضطرت الي مغادرة السودان في السنوات الأخيرة. ويعتبر كاتب المقال أن »استيراد« العرب الي السودان هو مجرد محاولة يائسة لتغيير تركيبة البلاد، وتجريدها أكثر فأكثر من هويتها الأفريقية، وأن ما يحدث هو توجه عنصري ضد أغلبية المواطنين الأفارقة في الأقاليم السودانية المهمشة »في الجنوب والغرب والشرق«! المساعدة الحقيقية وهكذا نري أن مجرد شائعة عن هجرة مصريين وفلسطينيين وعرب آخرين الي جنوب السودان اثارت حساسيات خطيرة يمكن أن يستفيد منها هؤلاء الذين يريدون الايقاع والدس بين العرب والأفارقة. ولا أتصور أن هناك من يفكر الآن في ارسال عمال عرب الي أي دولة افريقية فلا توجد فرص عمل حقيقية هناك بعد أن دمر الاستعمار، وحروب ونزاعات وصراعات ما بعد مرحلة الاستعمار، دولا أفريقية عديدة. ثم إن أبناء البلاد الأفريقية أنفسهم لا يجدون عملاً.. فكيف نضيف اليها بطالة جديدة عن طريق التصدير؟! وأتصور أن ما يفيد الدول الأفريقية هو أن نرسل اليها خبراء يتمتعون بمهارات عالية لمساعدتها في اعادة ترميم البنية الأساسية ومهندسين ممتازين يعاونون في الانشاءات وأطباء يعالجون الأمراض المتوطنة والمزمنة. المهم أن نساعد السودان »وأفريقيا بوجه عام« علي اقناع السكان بالبقاء في أماكنهم بدلا من الهجرة الي المجهول.. لأن بلادهم أولي بجهودهم وعرقهم.