كلما تقدمت خطوة للأمام نحو الأمن والاستقرار أعاقها الإرهاب وأعادها عدة خطوات للخلف.. فأفغانستان التى عانت طويلا من إرهاب العناصر المتشددة من حركة طالبان، والتى سعت الحكومات الأفغانية على مدار عقود بمحاربته مستعينه بالقوات الأجنبية، التى برحيلها فى نهاية العام الماضى وإختيار رئيس جديد وتشكيل حكومة تسعي لإعادة هيكلة المؤسسات، تكون أفغانستان قد دخلت حقبة جديدة تتوق من خلالها لتحقيق الأمن والإستقرار والتقدم، ولكن لا تزال براثن الإرهاب تغتال كل تقدم تحرزه، فقد شهدت سلسلة من التفجيرات مؤخرا، والتى كان أخرها حادث التفجير الذي هز أركان البرلمان الأفغاني، خلال أحدى الجلسات البرلمانية التى كان من المقرر خلالها إختيار معصوم ستانيكزاى، المرشح لمنصب وزير الدفاع، والذى ستقع عليه مسئولية شاقة وجسيمة من أجل التخلص من الإرهاب. وفى الوقت الذى توجه الإتهامات لإدارات المخابرات والأمن لتقاعسهم عن الحد من العمليات الإرهابية التى تقوم بها تلك عناصر والقضاء عليها، إلا أن الحقيقة هى أن القوات الأفغانية تواجه موجه جديدة من العنف المتزايد للمتشددين. فعقب إنسحاب القوات الأجنبية، إستعادت طالبان قوتها وإستطاعت فرض سيطرتها على منطقتين في شمال أفغانستان خارج نطاق قواعدها، التي تتمركز في الجنوب، كما هددت بالإستيلاء على قندوز، أحدى المناطق الزراعية المحورية الهامة في الشمال، وذلك إلي جانب الهجمات الأخيرة المتتالية التى أعلنت مسئوليتها عنها. يعد الهدف الأساسي من كل ذلك أرسال رسالة صريحة لتنظيم الدولة الأسلامية "داعش" في إطار الحرب الأيدولوجية الطاحنة التى نشبت بينهما منذ إعلان داعش تأسيس قواعد لها فى كل من أفغانستانوباكستان منذ بداية العام الجارى، وهدفها للسيطرة على "خرسان"، أى المنطقة التى تضم باكستانوأفغانستان، وأجزاء من إيران ومنطقة شينجيانج ذات الغالبية المسلمة التى تقع فى شمال غرب الصين، وذلك بعدما إستغلت الخلافات التى نشبت بين صفوف قادة ومقاتلى طالبان آثر غياب الملا عمر. وقد ساهم الخلاف بين قادة طالبان فى إنشقاق بعضهم عن الحركة وإعلان ولائهم لأبو بكر البغدادى، خاصة قادتهم الميدانيين وهم من القادة الأواسط الساخطين، والذين أغرتهم النجاحات التى حققتها داعش في سوريا والعراق وتوقعوا أن تستكمل في أفغانستان، خاصة بعدما إستطاعت إستقطاب عدد كبير من المقاتلين والمدنيين، فى حين أن طالبان فى تراجع مادى ونقص عددى. وطبقا لما ذكرتة صحيفة "ذا كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية أن فواز جرجس، الخبير في شئون الجماعات الإسلامية والشرق الأوسط بكلية لندن للدراسات الإقتصادية والسياسية، قال أن ظهور داعش كأكثر الحركات الإرهابية قوة وتأثيرا وتخريبا وإجراما عالميا، تكون قد حققت نجاحا مذهلا ووصلت للهدف المرجو، وهو ما يمثل خطورة على التنظيمات الإرهابية الأخرى مثل طالبان وحماس، فداعش الآن تعد الحصان الأسود الرابح. في حين يري عدد من المحللين السياسيين أن داعش لن تتمدد بالشكل الذي تخطط له ولن تستطيع حل محل طالبان، وذلك لأن طالبان تتمتع بجذور عميقة في الثقافة القبلية المحلية في المنطقة وهى تعد تحالف يضم قبائل بشتونية تربطها صلات قرابة، وبعض الحلفاء الطاجيك الأفغان، مما سيصعب من مهمة داعش في ضم مقاتليها لأسباب قومية. ومن ناحية أخري فقد بدأت حركة طالبان تتعلم من أخطائها السابقة، وتلجأ لكل الوسائل والسبل التى ستصب فى مصلحتها. فبالرغم من أن طالبان اضطهدت الشيعة أثناء حكمها السابق لأفغانستان، إلا أنهم، وبالأخص الهزارة الشيعة الذين يسكنون وسط أفغانستان، لجأوا لطالبان لطلب المساعدة ضد تنظيم داعش، وذلك إلي جانب المباحثات السرية التى تجرى مع عدو شيعي سابق آخر لطالبان، وهو إيران، التى تبحث عن منحها الدعم من أجل محاربة داعش. وعلي صعيد أخر فإن باكستان التى تساند طالبان الأفغانية بإستمرار، لن تسمح بأن يهزم حليفها ويحل محله تنظيم داعش، خاصة وأن باكستان أثبتت أن لديها القدرة والإرادة لاستدامة طالبان، حيث حافظت على بقائها على مدى نحو عقدين من الزمن الآن، لذا فلن تجد صعوبة كبيرة في مواجهة داعش. طالبان .. داعش.. تختلف أسماؤهم وتتنوع أساليبهم وتتفاوت أعدادهم، ولكن تبقي أهدافهم واحدة ألا وهى سفك الدماء ونشر الفوضى واللجوء للعنف بكل أشكاله كى يثبتوا لمن حولهم، وللعالم أجمع، إلى أى مدى يصل إجرامهم، وليبثوا الرعب في النفوس ويرهبوا العالم ويجبرونه على الخضوع لرغباتهم إتقاء لشرهم .. ففي مقابل تحقيق مصالحهم الشخصية تزداد وتتضاعف ضحاياهم الأبرياء، الذين لم يأملوا في شئ أكثر من الحياة فى سلام.