ما إن بدأ الحديث عن تجديد الخطاب الدينى حتى وجدنا الكثيرين يشنون هجوما غريبا على كل شيء حتى على الثوابت والصحابة والعلماء دون أن يتطرقوا إلا قليلا إلى الأسباب الحقيقية ومنها حامل راية الدعوة ومبلغها وهو الداعية والواعظ والخطيب والذى تسببت وزارة القوى العاملة فى تعيين 75 % من خطباء المساجد غير المؤهلين وحرمتهم مؤسسات الدولة من حقوقهم الأساسية فلا يوجد لهم نقابة تدافع عن حقوقهم أو تأمين صحى يوفر لهم العلاج المناسب إذا مرضوا فى ظل دخلهم المتواضع الذى اضطرهم للعمل كسائقى توك توك وعمال فى المقاهى والمحلات التجارية ..هذا ما أكده الشيخ محمد زكى الأمين العام للجنة العليا للدعوة والإفتاء بالأزهر الشريف فى هذا الحوار الذى طالب فيه بضرورة تشكيل لجان عليا متخصصة تقوم بتنقية الدعاة وخطباء المساجد واستبعاد من يرسب فى الاختبارات ووضع دورات تثقيفية للناجحين للقيام بواجبهم فى تنوير الأمة بقيم الإسلام ومحاربة الفكر المتطرف .. فى البداية طالب الشيخ محمد زكى الأمين العام للجنة العليا للدعوة والإفتاء بالأزهر الشريف بضرورة فتح منافذ للداعيات من السيدات ليكن داعيات إسلامية يرتدن الملتقيات والتجمعات الفكرية والاجتماعية والسياسية النسائية، وإعطاء الدروس خاصة فى المسائل التى تختص بالنساء فقد كانت السيدة عائشة رضى الله عنها داعية وفقيهة للنساء. أما عن حجم الأزمة التى يمر بها الدعاة فقال إننا نحن فى حاجة إلى تغيير قرابة 75% من أئمة المساجد والوعاظ خاصة الذين تم اختيارهم وتعيينهم من قبل وزارة القوى العاملة وكان معيار الاختيار الذى اعتمدت عليه القوى العاملة أن الإمام يكون خريج جامعة الأزهر من كليات الشريعة وأصول الدين أو كلية اللغة العربية فقط لا غير دون التأكد من مدى صلاحيته نفسيا وفكريا وشرعيا ولغويا ..الخ، ومنذ عشر سنوات بدأ الأزهر يتولى اختيار الدعاة بعيدا عن تدخل القوى العاملة ويتم ذلك من خلال مسابقات يعلن عنها وتكوين لجان لاختبار من يرسلهم جهاز التنظيم والإدارة من أوائل الخريجين ولكن الأعداد المطلوبة أكثر من الناجحين . ورغم أن الوظائف المادية يختار لها الأفضل فى الناس والأنقى حسبا ونسبا وتجرى عليهم التحريات السرية وغير السرية ويشترط عليهم الحصول على اعلى الدرجات بحجة أنه سيعمل فى جهاز تراه الدولة حساسا ثم يقدم للجنة عليا تضم كبار المختصين للنظر فى صلاحية مضمونه وشكله ... فما بالكم بالداعى الى الله الذى إن صحت دعوته صح المجتمع. ويتساءل الشيخ محمد : أليس من الأفضل والأولى أن يصطف للدعوة رجال أكفاء لأنهم سيبلغون عن الله وهم ورثة الأنبياء وان ندقق فى اختيارهم ثم نعينهم على أداء رسالتهم حتى لا ينشغلوا عن أمر الرسالة بالعيش والرزق وننزلهم المنزلة اللائقة وألا نجعلهم مسخة يستهزأ بهم فى وسائل الإعلام والدراما الرخيصة بأن نوفر لهم وسائل الحياة الكريمة. ما المقصود بالحياة الكريمة ؟ إن رواتب الأئمة والوعاظ لا تكفى لتوفير الاحتياجات الأساسية للأسرة مما اضطرهم للعمل فى مهن أخرى كعمال مقاه وسائقى «توك توك».. قليل منهم فى التجارة وهذا الوضع يتطلب توفير العيش الكريم لهم وذلك بالإسراع فى رفع مستوى الأجور بأن يوضع كادر خاص لهم كبقية الوظائف الأخرى ويجب أن تشكل للدعاة نقابة تقدم لهم الخدمات وتدافع عن حقوقهم وتأمين صحى بل تكون لهم حصانة لان مهمتهم مواجهة الفساد والمفسدين والمخربين والتكفيريين بل الإرهابيين. كثير من الدعاة حصروا رسالتهم فى أداء الصلاة وإلقاء الخطب المكررة فقط ! على الدعاة أن ينهضوا برسالتهم قياما بواجبهم نحو أمانة الدعوة فى تبرئة الإسلام وساحته مما لحق به من الشبهات والخرافات وأن يكون خطابهم ربانيا ليبلغوا مراد الله إلى خلق الله دون تحريف أو تأويل فاسد بلغة يسيرة مؤثرة توائم فكر و مستجدات العصر تخاطب الروح والعقل والمشاعر لنلحق بركب الحضارة الإنسانية بل لنقودها، وأن يعملوا بكل طاقاتهم على توحيد الصف وترسيخ قيم المواطنة بمفهومها الشامل وإعلاء مصالح المجتمع والارتقاء بذوق المجتمع وفكره لتكوين مجتمع مسلم ومبدع . ما المطلوب لمعالجة القصور لدى بعض الدعاة ؟ يجب على مؤسسات الدولة المنوط بها هم الدعوة أن تتخلص من دعاة هم عبارة عن سبة على الإسلام وعلى الدعوة بعد أن شوه الكثير منهم حقائق هذا الدين فضلوا وأضلوا وكانوا صدا عن سبيل الله .فيجب تنقية الدعاة بشكل يكشف مكنون علمهم الحقيقى من خلال لجان من العلماء ورجال الدعوة المشهود لهم بالكفاءة العلمية والصلاح الأخلاقى والاعتدال، وتمكين الدعاة الذين سيتم استبعادهم فى أعمال تتفق مع حالتهم وواقعهم دون أن يقلل من شأنهم أو يمس من حقوقهم المادية فى أى عمل يوجهون إليه . كيف وصلنا إلى هذه الحال من الدعاة المتواضعين فى الإمكانات الفكرية ؟ المجتمع كله مسئول عن الوقوع فى هذه الهوة خاصة عدم اهتمام المؤسسات الشرعية وتهميش دورها والتقليل من شأنها بكل السبل وتشديد الخناق على الدعاة الأوفياء لدينهم ووطنهم مع إتاحة الفرصة لغير المتخصصين أدعياء الدعوة ليقوموا بمهام المؤسسات المنوط بها هم الدعوة بعد أن فشلوا فى اختصاصاتهم الأساسية فكانت الفتاوى الشاذة والدعوة إلى العنف والتكفير وانشغال الكثير من رجال المؤسسات الدينية الكبيرة بالقضايا الهامشية بعيدا عن متطلبات رسالتهم الدعوية والتعليمية وإبعاد كثير من العلماء الأكفاء عن الساحة وتضييق الخناق عليهم حتى لا تلتفت الأنظار إليهم، والانتقاص من الدعاة من خلال المشاهد الدرامية ووضع العلماء بزيهم فى مشاهد غير لائقة وغير كريمة للتندر بهم . والمسئول عن هذا التطاول قبل كل شيء الأنظمة الحاكمة التى تقصر كثيرا فى حق الدعاة وأيضا بعض الشيوخ الذين قصروا فى حق أنفسهم وعدم احترامهم لقدر الله فيهم حيث انهم لم يواجهوا هذه السخريات بكل حزم وقوة . عدد كبير من الدعاة يفتقدون هذا الاهتمام أو الفكر أو حتى الإرادة فماذا عنهم ؟ فى البداية يجب أن نحسن اختيار الداعية من خلال لجنة علمية متخصصة فى علوم الشريعة والدعوة واللغة دون محاباة .. وأن نتعهده بالدورات التثقيفية والفكرية خاصة التى تتعلق بقضايا العصر وطرق علاجها من منظور إسلامى سديد لثقل مواهبه وتنمية فكره حتى يكون قادرا على تحمل أعباء الرسالة .. وضرورة الحفاظ على استمرارية الدورات التدريبية المتخصصة التى يحاضر فيها كبار الدعاة المتخصصين فى كل صنوف المعرفة والعلم وعمل امتحان جاد فى كل ما يتلقاه الدعاة للوقوف على مدى استيعابهم وصلاحيتهم . وما الضمان لإجبار الدعاة وخطباء المساجد على حضور هذه الدورات ؟ هذه الدورات يجب أن تكون إجبارية و يكون النجاح بنسبة 70 % كحد أدنى وإذا رسب تعاد له الدورة فإن رسب مرة أخرى يحول من وظيفة الداعية إلى أى عمل إدارى آخر والاهتمام بالبقية الباقية من الدعاة خاصة المتفوقين منهم ورعايتهم وتشجيعهم على أداء رسالتهم بالحوافز المادية ومعاقبة المقصرين، والإعلان عن قبول دفعات جديدة من الدعاة تملأ الفراغ من حملة المؤهلات الأزهرية الشرعية خاصة حملة الماجستير والدكتوراة وتهيئة المناخ لهم بعد اختبارهم واختيارهم وتدريبهم والعمل على ثقل مواهبهم فما أحوجنا إلى صفوة كثيرة من الدعاة فى هذا التوقيت الذى تصدى فيه المشهد أدعياء الدعوة فكان الدمار والخراب . ما حجم هذا الفراغ أو العجز فى الدعاة؟ يعمل بالأزهر ما يقرب من 2200 واعظ وعندما تقسم هذا العدد على 27 محافظة فيكون نصيب كل محافظة عددا غير كاف على الإطلاق وهناك محافظات ملتهبة ومليئة بالإرهاب والفكر المتطرف وتئن من عدم وجود وعاظ بها، فهل يعقل أن يكون جنوبسيناء وشمال سيناء بهما اقل من 40 واعظا وهما تحتاجان ما لا يقل عن ألف واعظ ونفس الوضع فى محافظات الوادى الجديد ومطروح والبحر الأحمر فعدد الوعاظ بكل محافظة منهما يعد على أصابع اليد وعلى الدولة الاهتمام بالتوسع فى إفساح المجال لتمكين عدد كبير من الدعاة بهذه المحافظات لنشر الفكر المعتدل ومحاربة الفكر المتطرف والتكفيرى الذى يهدد المجتمع خاصة أن الخطاب الدينى حاليا بات اخطر قضايا العصر . ونحن نحتاج على الأقل قرابة عشر آلاف واعظ من الأزهر لملء الفراغ الفكرى الموجود فى المحافظات خاصة النائية .