العقيدة قد تكون المحرك الرئيسي وراء اندلاع أخطر الحروب، إذا ما أخطأ صناع القرار التعامل معها، قوتها ورسوخها يجعلانها أداة لبناء أعظم الحضارات، وضمان أمن واستقرار أكثر المجتمعات تناقضا واختلافا، ولعل هذا ما جعل من الملف الديني أخطر الملفات وأهمها على طاولة صانع القرار، على مدار العام الماضي، الذي شهدت فيه مصر تحولات في شتي القطاعات وعلى كافة المستويات، وفي مقدمتها المؤسسة الدينية. دعوات رأس الدولة بضرورة تجديد الخطاب الديني، حملت معها دق ناقوس لخطر طالما تربصت بالوطن، وفي هذا كان حوار "الوطن " مع الدكتور سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف سابقا وأستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، حول أخطر القضايا المطروحة في الملف الديني وفي مقدمتها الدعوة لتجديد الخطاب الديني، وهل نجح السيسي في التعامل مع هذا الملف الشائك. يقول عبد الجليل إن تجديد الخطاب الديني مسؤولية الدعاة والوعاظ والأئمة بالأزهر الشريف، وبالتالي مسؤولية القيادة الدينية التي لا تتحرك إلا من خلال الأوامر، كما لم يتحركوا إلا بعد خطاب الرئيس المتكرر، رغم أنه من المفترض أن تأتي الدعوة منهم، يضيف عبدالجليل، الذي تولى مسؤولية الإرشاد الديني بوزارة الأوقاف من خلال عمله مديرا عاما للإرشاد الديني عام 2003، "أن الدعوة لتجديد الخطاب ليست بجديدة، حيث بدأت عقب أحداث 11 سبتمبر للأسف بدعوة من الرئيس جورج بوش الابن، وتحدث عنها من بعده مبارك، وتم تشكيل لجان لهذا الهدف، لتأتي ثورة يناير فيتوقف العمل في ملف تجديد الخطاب الديني ليأتي، عام 2013 - عام حكم الإخوان - ليهدم ما تم في الملف، حيث تم التخلص من الكتب الخاصة بتجديد الفكر الديني وحرقها، باعتبارها "فكرا علمانيا"، ليأتي عهد الرئيس السابق عدلي منصور، الذي شهد تراجعا في الملف، وصولا إلى الرئيس السيسي الذي أصبح في عهده الحديث عن تجديد الخطاب الديني، والذي دعا له السيسي خلال خطاباته إلى مجرد "شو إعلامي"، لا وجود له على أرض الواقع". وعن تقيم الخطوات التي تم اتخاذها لتجديد الخطاب الديني يقول عبدالجليل، إن الحديث عن تجديد الخطاب الديني أصبح إعلاميا أكثر منه واقعيا، مؤكدا أن الخطاب الديني لم يتغير حتى الآن، فالقرار وحده غير كفيل بالتغيير، فالإمام على المنبر لم يصل إليه أحد، كما أنه يعاني العديد من المشكلات، من شأنها التأثير على لغة خطابه الديني، وتأتي مشكلة الوضع المادي المتدني، والتي يعاني منها ما يقرب من 60000 إمام وخطيب في مقدمتها، الأمر الذي يدفع الإمام للعمل في مهنة إضافية للوفاء بالتزماته، فتجده يعمل في محل أو قهوة أو سائق "توك توك"، الأمر الذي يجعله ينصرف عن تطوير نفسه بالاطلاع والبحث، ما ينعكس بدوره على إدراكه لمتطالبات مجتمعه، ومن ثم انعكاس ذلك على خطبته، مؤكدا أن تغير الخطاب ينبع في المقام الأول من تغير الأئمة، وتحسين أوضاعهم المادية. وفي ما يتعلق بالقرار الخاص بتوحيد الخطب في المساجد وغلق الزوايا، يؤكد عبدالجليل أنه قرار غير مدروس بشكل جيد، ففي الوقت الذي يسهل فيه القرار على الإمام تحديد موضوع خطبته، إلا أنه في كثير من الأحيان يفرض عليه موضوعات معينة يتلقاها كتكليف يملى عليه، قد لا يتوافق مع الطبقة وطبيعة البيئة التي يتوجه لها، فالخطاب الديني في مساجد عمرو بن العاص والحسين والأزهر يختلف عن الخطاب في القرية، فلكل بيئة ظروفها. يريى عبدالجليل أنه من الأفضل طالما أراد صانع القرار توحيد الخطبة، ألا يتجاهل الإمام والخطيب، وأن يضع في اعتباره الاختلاف داخل المجتمع، بأن يتم وضع أكثر من موضوع، وترك الحرية للخطباء والأئمة لاختيار الموضوع المناسب لبيئته. يتابع عبدالجليل أن الزوايا الصغيرة مازالت تعمل حتى الآن، وما تم منعه بعض العلماء، وأضاف عبد الجليل أن قرار غلق الزوايا أيضا "غير مدروس"، لسببين: أن الأوقاف لا تملك عددا كافيا من الخطباء لتغطية المساجد والزوايا، وأن ما يعمل نحو 60% من طاقته من الخطباء والأئمة، أما السبب الثاني أرجعه عبدالجليل إلى ضعف الرقابة والعجز في عدد المفتشين، والبالغ نحو 10000، مقارنة بعدد المساجد التي تصل لنحو 120000 مسجد، في ظل عدم وجود تسهيلات تساعد المفتشين على إنجاز مهامهم، الأمر الذي يتطلب معه وضع حلول جزرية وتعاون مشترك بين وزارة الأوقاف ممثلة في مديرياتها من جهة، والمحافظات من جهة أخرى، لتنظيم عمل الرقابة وليس للتدخل في عمل الأئمة. ويقول عبدالجليل بشأن الإستراتيجية التي تدار بها وزارة الأوقاف، إنه لم يأت في وزارة الأوقاف وزير صاحب رؤية سوى الدكتور محمود حمدي زقزوق، وأن استمرار تولي أصحاب الثقة "الثقة في فضيلة الإمام" هو ما أدى إلى الفراغ الديني الذي خلفته السنوات الماضية، وانعكس بدوره على ضعف المؤسسة الدينية، مؤكدا أن نحو 50% من مساجد مصر تعمل بدون خطباء، الأمر الذي يسهل من عملية اختراقها. ويؤكد فضيلة الشيخ سالم عبدالجليل أن تجديد المؤسسة الدينية لن يتم إلا من خلال خطتين، إحداهما قريبة الأجل تتمثل في إعادة النظر إلى مكافأة الأئمة، وشغل الأماكن الفارغة، وتفعيل دور الرقابة، ممثلة في مفتشي الأوقاف، للتصدي للفكر المتشدد، فضلا عن تدريب وتوعية الأئمة، من خلال برامج تدريب مكثفة، وإسناد تلك المهمة لأستاذ جامعي يتم وضعه على رأس كل مديرية أوقاف، أما الخطة الثانية بعيدة الأمد، وتتضمن إنشاء قسم خاص في التعليم الابتدائي، يكون مهمته تعليم الأطفال علوم الشريعة فقط، وذلك لإخراج جيل من الدعاة قادر على تغيير العالم ونشر رسالة الإسلام السمحة.