ليست نكتة وإنما هي حقيقة وضع زيمبابوي بعد 35 عاماً من القيادة الرشيدة للرئيس روبرت موجابي الذي يطمع في المزيد.فقد ضرب التضخم رقماً قياسياً غير مسبوق وهوي سعر العُملة الوطنية إلي 35 كوادرليون (ألف تريليون) دولار زيمبابوي مقابل الدولار الأمريكي الواحد.وبعد أن أثقل حَمل أكداس النقود كاهل المواطنين أصدر البنك المركزي ورقة من فئة 100 بليون دولار زيمبابوي لا تكفي حتي لشراء تذكرة أتوبيس داخل العاصمة هراري،وأعطت الحكومة المواطنين مهلة حتي سبتمبر لاستبدال ما لديهم من أوراق عُملة قديمة بأخري من الفئة والسعر الجديدين. بدأت معاناة المواطن العادي في زيمبابوي الواقعة بجنوب شرق القارة الإفريقية مع بدء تنفيذ برنامج موجابي الإصلاحي عام 2000 بالاستيلاء علي مزارع المواطنين البيض لتوزيعها علي الفقراء من السود علي أساس أن البيض هم أحفاد المستعمرين الذين انتزعوها غصباً من سكان البلد الأصليين، وبدلاً من أن تتحسن الأحوال الاقتصادية والمعيشية للناس انهار الإقتصاد بانهيار إنتاج المزارع وبتوقُّف تصدير إنتاجها إلي الخارج وحرمان الدولة من عائداته، بالإضافة إلي ما ترتب علي المصادرة من عقوبات فرضتها دول غربية.كما أن شكوكاً قوية دارت حول توزيع المزارع المصادرة علي المستحقين لها فعلاً حيث قيل إن محاسيب حزب موجابي استأثروا بها لأنفسهم.وبعد أن كانت زيمبابوي سلة غذاء لمنطقة الجنوب الإفريقي واجه الناس نقصاً حاداً في السلع الأساسية وأربك حياتهم تغيُّر أسعار السلعة الواحدة عدة مرات في اليوم واضطروا لحمل أكوام من الدولار الوطني فوق عربات اليد لشراء أبسط الأشياء قبل أن يتركوه جانباً ويحوّلوه إلي تذكار يبيعونه للسياح الأجانب ويستخدموا بدلاً منه عُملات أجنبية من بينها الدولار الأمريكي والراند الجنوب إفريقي!. وبدلاً من أن يبحث موجابي وحاشيته عن السبب الحقيقي لهذا التدهور الاقتصادي الذي دفع بعض الفقراء إلي أكل الحشائش والجذور ولحاء الأشجار حمّل بريطانيا والولايات المتحدة وحلفاءهما المسئولية وتشبّث فيما يبدو بكرسي السلطة للأبد.فقد تولي رئاسة الوزراء عقب الاستقلال عن بريطانيا عام 1980 ثم عدّل الدستور عام 1987 ليحوّل نظام الحكم من برلماني إلي رئاسي ليصبح رئيساً ولم تنجح كل المحاولات لإزاحته عن السلطة بسبب تسخير كل موارد الدولة وأجهزتها لضمان فوزه وحزبه وعدم سماحه ببروز منافس له داخل المعارضة أوالحزب الحاكم (الاتحاد الوطني-الجبهة الوطنية في زيمبابوي) لدرجة أنه أقال نائبته جويس ماجورو من منصبها منذ أسابيع قليلة عندما استشعر أنها تسعي لترشيح نفسها ضدّه.المهم أن يبقي علي كرسيّه ولا يهمه أن يساوي سنت أمريكي واحد 500 مليار دولار زيمبابوي!. وعلي العكس مما حدث في زيمبابوي نجحت حكومة جنوب إفريقيا المجاورة في عهد نيلسون مانديلا ومن جاءوا بعده من القادة، في تفادي انهيار الاقتصاد نتيجةً لإعادة توزيع مزارع المواطنين البيض وتعويضهم مالياً وفق برنامج طويل الأمد لتوزيعها علي فقراء السود فاستمر الإنتاج والتصدير بشكل جيد حيث أسهم ذلك مع إنتاج وصادرات المعادن والفحم في بقاء الاقتصاد ضمن أقوي 26 اقتصاداً في العالم. وفي أوغندا إحدي دول منابع النيل أعلن الرئيس يوري موسيفيني أن بلاده محظوظة بوجود شخص مثله في السلطة وأنه لم يكن ليقضي خمس سنوات (فترة التمرد) في الجبال مقابل لاشيء وأنه يسعي للترشح لفترةً رابعة العام المقبل، قال ذلك رغم قوله قبل سنوات إن مشاكل إفريقيا تنبع من رفض قادتها التخلي عن السلطة.ويحدث ذلك في وقت يشهد فيه حزبه انقساماً حول ترشحه بسبب طعونه في السن وتردي مستوي المعيشة لنصف أفراد الشعب.صحيح أنه نجح في تحقيق معدل نمو اقتصادي وصل إلي 7% في السنوات الأخيرة وخفّض نسبة الفقر وطرد متمردي جيش الرب إلي خارج الأراضي الأوغندية وحقّق استقراراً أمنياً بعد سنوات من الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة إلاّ أن الأوضاع الاقتصادية لم تتحسن كثيراً.فأكثر من 50% من الأوغنديين مازالوا تحت خط الفقر بمعدل دولار وربع للفرد في اليوم ويزيد معدل البطالة علي 17% ويعيش 85% من الشعب في الأرياف.ويبدو واضحاً سوء توزيع الدخل القومي بين أقلية مُنعّمة وأغلبية تعيش علي الفُتات.ومازال أكثر من ثلث الشعب يعاني من الأُميّة وبات ملف حقوق الإنسان محل انتقادات واسعة في الداخل والخارج وسط اتهامات بعمليات تعذيب وإعدام خارج نطاق القانون. وللإبقاء علي أوغندا محظوظة برئيسها منذ نحو 30 سنة قررت اللجنة المركزية للحزب الحاكم (الحركة الوطنية للمقاومة) إعادة ترشيح موسيفيني البالغ من العمر 70 عاماً لانتخابات 2016 علي أن تُقرُّه الجمعية العمومية للحزب في وقت لاحق هذا العام، ويبدو أن فرصة فوز منافسه ورئيس وزرائه السابق أماما إمبابازي في تلك الانتخابات ضئيلة رغم شعبيته لدي عامة أعضاء الحزب الحاكم منذ كان سكيرتيراً عاماً له ومخططاً استراتيجياً ساهم بدور كبير في بقائه بالسلطة لفترة طويلة.وكان موسيفيني قد أقاله عندما استشعر أنه سينافسه علي رئاسة الحزب والدولة، ففكرة التداول السلمي للسلطة لم تخطر بعد بأذهان كثيرين مثل موجابي من قادة الدول الإفريقية. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى