لم تخطئ السينما المصرية عندما صورت "الحماة" بأنها قنبلة ذرية أو أنها هلاك وليست ملاكا ، كما أنها سخرت منها ، ومن سوء تدخلها في شئون زوجة ابنها أو زوج ابنتها في فيلم "الحموات الفاتنات" وباتت الحماة المفترية المتسلطة التي تسعى لخراب بيوت أبنائها هي القاعدة والعكس هو الاستثناء وخاصة في ريف مصر. فما زالت الحماة تنظر الي زوجة ابنها علي أنها الخادمة التي أتي بها لتعمل بلقمتها وعليها الطاعة العمياء لكل أفراد المنزل وآخرهم زوجها ، وإلا سيكون مصيرها الهلاك ، وهذا ماحدث بالفعل فى قرية سنهرة بمحافظة القليوبية حيث أطاحت الحماة بأحلام زوجة ابنها الشابة وانهالت عليها ضربا بعصا غليظة حتي فارقت الصغيرة الحياة وتركت وراءها طفلا لايتجاوز عمره ستة أشهر ليتأكد لنا أن كلمة "حماة" تأتي من مرض الٌحُمي هي فتاة بسيطة حرمتها ظروف أسرتها المادية من الالتحاق بالتعليم إلا أن أحلامها كانت في حجم الدنيا وطعم الفرحة والتفاؤل ، ورغم أنها كانت تنظر دائما إلى أبناء جيرانها وهم يذهبون إلى المدرسة بنظرات حزن إلا أنها كانت تحمل داخلها الحياة والأمل بأن الغد سوف يكون مشرقا أمامها وعندما كبرت ووصلت إلى سن الثامنة عشرة من عمرها بدأت تنظر إلى المستقبل من جديد وتتمنى من الله أن يتقدم للزواج منها إنسان محترم يصونها ويعوضها عما فاتها، وفى سن التاسعة عشرة تقدم لخطبتها شاب من أبناء قرية سنهرة بمركز طوخ بمحافظة القليوبية يعمل فى وظيفة متواضعة بإحدى الشركات الخاصة ، وفوافق عليه أهلها ، وتوسمت فيه هى النبل وأنه سيحافظ عليها ولا يهينها ، وسرعان ما تمت مراسم الزواج ، لتبدأ حياة جديدة وتبدأ فى تكوين أسرة ، ولكن يبدو أن القدر كان يقف حائلا أمام سعادتها حيث لم يمر أكثر من عام وثلاثة أشهر فى منزل الزوجية حتى فارقت الحياة على يد حماتها وأمام زوجها . إنها نجلاء ابنة الواحد والعشرين عاما الفتاة البسيطة التى لم تكن لديها أى أحلام سوى أن تعيش حياة مستقرة بدون مشاكل أو عنف ، لكن "حماتها"هذه المرأة ذات الجبروت صاحبة القلب المتحجر قضت عليها وعلى أحلامها بعد أن انهالت عليها ضربا بشماعة خشب كبيرة كانت موجودة فى غرفة نومها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة ، ولأنها إنسانة دموية لا تعرف أى معنى للإنسانية وتفتقد أى نوع من الرحمة ، اتفقت مع ابنها - زوج المجنى عليها أن يكتما هذا السر وأن يخبرا أهلها بأنها توفيت وفاة طبيعية ، وأنهم عندما سيحضرون لرؤيتها ستتظاهر هى بأنها سقطت على الأرض مغشيا عليها من شدة الحزن لفراق زوجة ابنها ، لتبدأ تمثيلية قذرة أبطالها زوج الضحية وأمه. وبهذه الكلمات بدأت أم المجنى عليها ، وهى سيدة فى منتصف العقد الخامس من عمرها ودموعها تسيل على خديها وضربات قلبها تصرخ من شدة الألم والحزن على فراق ابنتها ، تروى ما حدث لابنتها " بنتى راحت ، الفرحة راحت ، قتلتها الجبارة بعد ما عذبتها ، مخلتهاش تشوف يوم واحد حلو ، يا ريتنى طلقتها من أول ما المشاكل زادت ، أنا كنت بضغط عليها تروح بيت جوزها كل أما تجينى غضبانة وأقول لها استحملى كل البيوت فيها مشاكل، مكنتش أتصور أن يقتلوها ، أنا عاوزة حق بنتى ، وقالت : بنتى طول عمرها مبتزعلش حد ، ماشية فى حالها هى الصغيرة فى البنات ، إخواتها البنات الأربعة متجوزين وعايشين فى بيوتهم مرتاحين مفيش عندهم مشاكل ، إنما نجلاء من ساعة ما اتجوزت كل يوم تجينى معيطة من حماتها ، وأفضل أهديها وأقول لها معلش يا حبيبتى اعتبريها فى منزلتى ، لكن مفيش فايدة كل يومين تلاتة تيجى تشتكيلى وتقول لى أنا بصحى من الساعة 6 الصبح أنظف البيت وأعمل الأكل وكل حاجة بيطلبوها منى ورغم كده حماتى بتهينى بدون سبب مش عارفة ليه ، لحد ما المشاكل زادت قوى فأصبحت ابنتى تقوم بتحضير الأكل لأسرة زوجها لكنها لا تأكل منه ، وتصعد لشقتها وتأكل بمفردها أو مع زوجها ، حتى لا يكون هناك أى احتكاك مع حماتها ، ولكن لم يمر يومين على ذلك وسرعان ما جاءت تشتكى من تزايد إهانة حماتها لها ، فقلت لها خليكى قاعدة معانا يومين لحد ما أعصابك تهدا ، وبعد أيام حضر زوجها وطلب أن تعود ابنتى معه ، ووعد بأن لا يتكرر ما يحدث معها وستتوقف أمه عن إهانتها ، وفى نفس اليوم وتحديدا حوالى الساعة 2 صباحا اتصل خال زوجها بابنى محمد وطلب منه أن يحضر لشقة شقيقته لأنها تعبانة شوية ، فذهب إليها مسرعا وعندما وصل وجد زوجها يبكى وأمه مغشيا عليها فأخبره خال زوجها بأن شقيقته توفيت وأن زوجها اكتشف ذلك عندما كان يوقظها من النوم ليتحدث معها ، وبحسن نية صدق هذه الرواية الكاذبة واتصل بنا فبدأنا فى إجراءات الدفن وأحضرنا الكفن ، وقمنا بالتنبيه بوفاتها فى ميكروفونات المساجد ، وتوقفت الأم الحزينة عن الكلام للحظات من شدة البكاء وهى تعتصر ألما . ثم قالت : يا ريتنى ما خليتها تروح فى اليوم ده ، حرام ابنها يتيتم وهو لسه لحمة حمرا " فى إشارة إلى صغر سنه حيث لم يكمل عامه الأول ، ثم تماسكت وأكملت حديثها : محمد أخوها أحضر دكتور ليرى أخته ويتأكد من وفاتها لكن الطبيب رفض أن يخبرنا بشىء عقب الكشف عليها وظهرت عليه علامات الارتباك وطلب من شقيقها إحضار طبيب من الوحدة الصحية لإصدارالتصريح بالدفن ، فحضرت الطبيبة المسئولة وكشفت عليها فوجدت آثار تعذيب على جسدها ورقبتها وجرحافى رأسها من الخلف وأخبرتنا أن نجلاء تعرضت للضرب والتعذيب وأن وفاتها غير طبيعية . ، ثم أخطرت النيابة ومركز شرطة طوخ فانتقل على الفور المقدم صلاح عبد الفتاح رئيس مباحث طوخ وألقى القبض على زوجها وحماتها وباقى أفراد الأسرة المقيمين بداخل المنزل الذى وقعت فيه الجريمة لاستجوابهم عما حدث ، فى البداية أنكرت المرأة اللعينة معرفتها بأى شىء وأنها سمعت ابنها يصرخ ويقول : نجلاء ماتت ، فصعدت إلى الشقة فوجدتها جثة هامدة وباستجواب زوج المجنى عليها اعترف بالحقيقة وقال : فى هذا اليوم حدثت مشادة بين زوجتى وأمى فقررت أن تترك المنزل وتذهب لمنزل أسرتها ، لكن أمى حاولت منعها وقامت بضربها بشماعة خشب كبيرة على رأسها فسقطت على الأرض ، فتوقعت فى البداية أنها مغشى عليها فحاولت إفاقتها لكنها كانت قد فارقت الحياة فطلبت منى أمى الاتصال بخالى ليحضر ، وعندما حضر طلبت منه الاتصال بشقيقها محمد ليحضر وأن يخبره أن شقيقته تعبت فجأة ، ثم تظاهرت أمام الناس بأنها فى حالة إغماءة ، فقررت النيابة حبسهما 15 يوما على ذمة التحقيق ، ليبقى التساؤل : هل من العدل أن تدفع فتاة فى مقتبل العمر حياتها ثمنا لخلافات أسرية ، وما هى الذنوب التى ارتكبتها كى تلقى هذا المصير على أيدى امرأة شيطانة حولت حياتها لجحيم ، وما ذنب الطفل الذى لم يكمل عامه الأول فى أن يحرم من أمه طوال عمره !! .