رواية "قمر"، التى صدرت أخيرا للكاتبة مريم البنا، هى فيض من المشاعر الإنسانية الرقيقة التى أغرقت بها الكاتبة صفحات روايتها، حتى أنها لتكاد تخرجك من تركيزك فى بقية عناصر العمل، وتجعلك تعيش تلك المشاعر التى أفاضت بها البطلة تجاه "قمر"؛ تلك الكلبة البيضاء التى تُعد البطل الحقيقى للرواية، وتجاه أبنائها من الكلاب الصغيرة، وأمها الكلبة "بلبل" التى تحولت كراهية الكاتبة لها –بعد وفاتها- إلى حب وود بعد أن اكتشفت مشاعر بلبل "الإنسانية" تجاه ابنتها "قمر" وحمايتها لها من المخاطر. ومريم البنا- التى اعتدنا على طيبتها ورقة مشاعرها فى حياتها الطبيعية- تصنع من مذكراتها ويومياتها رواية تحكى قصة قمر منذ اللحظة التى قررت فيها أن تكفلها بالطعام والعلاج والرعاية إلى يوم أن قررت إهداءها هى وأولادها الصغار إلى أحد الأديرة لإنقاذها من المخاطر التى تحيق بها؛ سواء من البشر أو من الكلاب الأخرى، وهى المخاطر التى أودت بحياة عدة أجيال من أولاد قمر. وما بين اللحظتين تسرد المؤلفة أحداثاً تكشف كيفية التعامل البشرى “غير الإنسانى” مع ذلك الحيوان الأعجم الذى هز فؤاد الكاتبة فهزت هى به مشاعر القراء. تقول الكاتبة فى إحدى فقرات روايتها: “عندما يأتى الليل أتحلل تماما. أتذكر قمر تحت رحمة الليل.. فيتحلل وجهى إلى عشرات المدن الغارقة، ويتحلل جسدى إلى آلاف الموتى، وترحل روحى بعيدا، فلا أستطيع اللحاق بها أو حتى توديعها، يتهاوى كل شئ فأجدنى أهوى إلى بئر عميقة بلا ماء ولا قاع”.. إنها كلمات دالة تحمل فى طياتها ملخصاً وافياً لأحداث الرواية، فالراوية تشغل جل وقتها لحماية البطلة “قمر” من بطش الباطشين، فتهيم خلفها وخلف أبنائها بين عجلات السيارات وسخريات المارة وشكوى الجيران، تهيم وتدور حاملة الحنان والطعام والماء واللبن لتدوس السيارات قلبها كل يوم، أو يطعنها بعض البشر من فاقدى المشاعر الذين يطوفون بالشوارع ليلقوا باللحم المسمم للكلاب ليطلع الصبح على جثث منتفخة لمخلوقات كانت منذ ساعات تأكل من بين يديها. ورغم الدموع التى تسيل من أعين الأبطال البشريين للرواية وهم يودعون الأبطال “غير البشريين” وهم فى طريقهم إلى الدير، فإن القارئ لا يستطيع إلا أن يشعر بالارتياح لنجاتها من كل تلك المخاطر التى حملتها الأحداث، لتصدق الكاتبة فى بيت الشعر الذى حمله الغلاف الأخير، وهو بيت يختتم به صلاح جاهين إحدى رباعياته فيقول: “يا ميت ندامة ع اللى قلبه حنون”. اسم الرواية: قمر المؤلفة: مريم البنا الناشر: وكالة سفنكس