بدء جلسة الشيوخ، وتعديل قانوني الكهرباء ونقابة المهن الرياضية بجدول الأعمال    مصر تتقدم 47 مركزًا بتصنيف مؤشر نضج الحكومة الرقمية لعام 2025    رئيس حكومة كردستان ل السيسي: نتطلع لتعزيز التعاون والاستفادة من الخبرات المصرية في عدد من القطاعات    رئاسة الجمهورية : الرئيس السيسى استعرض مع بارزانى رؤية مصر لاستعادة الأمن والاستقرار فى المنطقة    تشكيل جزر القمر المتوقع ضد المغرب في افتتاح أمم أفريقيا    خبر في الجول – الشناوي الأقرب لحراسة منتخب مصر ضد زيمبابوي    المؤبد لديلر مخدرات متهم بقتل زبون والشروع في قتل آخرين بالمرج    محمد العبد عضو مجمع "الخالدين": تقديم الأعمال التاريخية بالعامية ضعف من الكتاب ولا يجوز التحجج بالجمهور    الخشت من السوربون: التعليم أهم وسيلة للقضاء على التفكير الخرافي وتثبيت مفاهيم الدولة الوطنية    صعود جماعى لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الأحد    محافظ المنوفية يحيل واقعة تزوير تعلية مباني خارج الحيز بشبين الكوم للنيابة العامة    وزير الرى : متابعة موقف إيراد النهر والحالة الهيدرولوجية وإجراءات تشغيل السد العالي وإدارة المنظومة المائية    «التضامن» تقر توفيق أوضاع 4 جمعيات في 4 محافظات    وزير الخارجية يؤكد مجددا التزام مصر بدعم جهود تعزيز الأمن والاستقرار في الصومال والقرن الأفريقي    3 شهداء بنيران الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة    خطة أمريكية بقيمة 112 مليار دولار لتحويل غزة إلى ريفييرا الشرق الأوسط    الذكاء الاصطناعى يعزز الأمن المجتمعى بالقانون    نحو استراتيجية وطنية للاستثمار فى البشر.. «التعليم»معركة البقاء الأخيرة    راحة سلبية للاعبي الزمالك بعد الفوز على حرس الحدود    القنوات الناقلة لبطولة كأس أمم إفريقيا 2025    محافظ القاهرة يعتمد جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام 2025    مصرع شاب وإصابة آخر صدمتهما سيارة فى كرداسة    محافظ الدقهلية ضبط طن ملح طعام وتحرير 116 مخالفة    توجيهات من التعليم للمديريات بسبب قلة عدد المسجلين للعمل كرؤساء لجان ومراقبين أوائل بامتحانات الثانوية العامة    محاكمة المتهمين بسرقة 370 قطعة أثرية من متحف الحضارة اليوم    بكام البلطى النهارده....اسعار الأسماك اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    وزير الخارجية يلتقي نظيره المالاوي لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية    ظاهرة فلكية.. تعامد الشمس على معبد الكرنك معلنة بداية فصل الشتاء    شهر رجب.. مركز الأزهر العالمي للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    دعاء شهر رجب.. مكانته وأفضل الأدعية المستحبة    الصحة: فحص 8 ملايين طالب ابتدائى ضمن مبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    مصر أول مركز إقليمى فى الشرق الأوسط وإفريقيا لتوطين مشتقات البلازما    الصحة: فحص أكثر من 20 مليون مواطن في مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    القائمة الكاملة لجوائز المسابقات الرسمية لأيام قرطاج السينمائية الدورة 36    فحص أكثر من 8 ملايين طالب ضمن الكشف عن الأنيميا والسمنة والتقزم بالمدارس    توفير 7574 فرصة عمل جديدة في 63 شركة ب13 محافظة    وزير الخارجية يعقد اجتماعاً ثلاثيا حول ليبيا مع نظيريه الجزائري والتونسي    الإحصاء: 6.31 مليار دولار صادرات مصر من «اللؤلؤ والذهب» خلال 9 أشهر    اتهام 4 طلاب بالاعتداء على زميلهم داخل حمام مدرسة بمدينة 6 أكتوبر    جيهان قمري تتحدى نفسها بدور جديد ومفاجئ في مسلسل "درش" مع مصطفى شعبان    الإجابة الوحيدة نحو الثامنة.. لماذا يشعر حسام حسن بالضغط؟    انقطاع الكهرباء عن عشرات آلاف المنازل بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية    فتاة تطارد تامر حسني ومعجب يفقد النطق أمام أحمد العوضي، جمهور النجوم يثير الجدل (فيديو)    الإسكان الاجتماعي لصاحبة فيديو عرض أولادها للبيع: سنوفر الحلول الملائمة.. والحاضنة لها حق التمكين من شقة الإيجار القديم    عامل بالإسكندرية يقتل صديقه.. ويقطعه 4 أجزاء لإخفاء جريمته    30 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 22 ديسمبر    «جبر الخاطر».. محمد شاهين يطرح أحدث أغانيه    مسئول بنقابة صيادلة القاهرة: لا نقص في علاج البرد وفيتامين سي.. وأدوية الأمراض المزمنة متوفرة    عضو بالأرصاد: أجواء مستقرة ودرجات حرارة طبيعية خلال الأسبوع الجاري    كورتوا: حمل شارة قيادة ريال مدريد كان حلما.. ومن الصعب إيقاف مبابي    10 نجوم إفريقية فى صراع بمعارك الأدغال    وزير البترول: صادراتنا من الذهب تفوق مليار دولار    يوفنتوس يحسم قمة روما ويواصل انتصاراته في الكالتشيو    بعد رؤية هلال رجب.. ما هو موعد شهر شعبان ؟    الصيام تطوعا في رجب وشعبان دون غيرهما.. الإفتاء توضح التفاصيل    وزير خارجية روسيا: ناقشنا مع الشركاء إصلاح مجلس الأمن وتعزيز ميثاق الأمم المتحدة    خبير عسكري: مصر تمتلك أوراق ضغط دولية لم تستخدمها بشأن سد النهضة    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكمة فى مملكة القرود الصينية

يفترض أن السياسى يبحث دائماً فيما هو الأنسب لتحقيق مصالح المجتمع المختلفة، خاصة المصلحة الاقتصادية، بينما يبحث الداعية الدينى - إذا كان مخلصاً - فيما هو حق وحلال..من المدهش أن بعض قادة تيار الإسلام السياسى لم يدركوا أن الأنسب سياسيا قد لا يكون حلالا فى كل الأحوال، حيث تنطبق أحكام الضرورة.. لم يدرك هؤلاء للأسف أن السياسة فى أحد تعريفاتها هى خيار بين بدائل تقتضيها ضرورة.. وهنا قد يمتلك هؤلاء القادة العلم الدينى، لكنهم يفتقدون إلى الحكمة والعقل..
والسلطة السياسية لابد أن تكون قوية حازمة، ولكن يجب أن تكون أيضاً حكيمة عاقلة، فإذا أفتقدت السلطة إلى الحكمة والعقل فأنها تقود مجتمعها إلى الهلاك..
تلك الفكرة البسيطة تلخصها رواية صينية شهيرة كتبت فى عهد أسرة «منج» التى حكمت الصين خلال الفترة من 1368 إلى 1644، وعنوان الرواية هو «رحلة إلى الغرب»، وبطل هذه الرواية قرد ساحر تمكن من تأسيس حضارة القرود وأصبح زعيماً لهم ، وقد نجح فى تكريس سلطته فى مملكة القرود عندما تغلب على الشيطان وتمكن من سرقة سيفه، وعاد إلى مملكته ظافراً ومعه سيف الشيطان، وتعلم مهارة استخدام السيف، وانصاعت له جموع القرود مهللة باسمه وبطولته، وسمح لهم القرد الملك أن يصنعوا سيوفا خشبية كى يلعبوا بها، وشجعهم على ذلك، وكانوا يتصارعون بها فى الأسواق وتسيل دماؤهم فى ذلك الصراع الغبى الذى ألهاهم عن مشاكلهم الحقيقية .
لقد كانت مملكة القرود قبل أن يتسلط عليهم القرد الساحر الذى يملك سيف الشيطان، تعيش فى بلهنية من العيش وتفكر فى بناء مجتمع سعيد وعادل ولا تخاف إلا من المجهول، ولكنها أصبحت الآن تحت حكم ذلك القرد الجبار تخاف من السلطة، ودفعهم الخوف إلى تفضيل الوضع القائم والقبول بالمظالم والمعاناة، وكان ذلك فى نفس الوقت مناسباً لطبقة محدودة من القرود تمكنت أن تحجز لنفسها مواقع قريبة ومميزة من القرد الملك، واستفادت من الإمتيازات المختلفة التى أتاحها ذلك الإقتراب..
وتحكى الرواية أن هذا القرد الساحر الذى عشقته القرود فى البداية، نجح أن يحكم أمة القرود ولكنه فشل فى أن يحكم نفسه، فها هو بعد أن أمعن فى التفكير حول أوضاع البلاد المجاورة لمملكته يتوصل إلى تخوف من أن تظن تلك البلاد أن لعب شعبه من القرود بالسيوف الخشبية هو أستعداد للحرب، وربما تفكر تلك البلاد المجاورة فى شن حرب وقائية ضده، وإذا حدث ذلك فإن سيوف شعبه الخشبية لن تصد أو ترد، لذلك بدأ الملك على الفور فى صنع سيوف حقيقية وإعداد قروده للحرب، وبدأ يتأهب لشن حرب وقائية ضد الحرب الوقائية التى قد يقوم بها جيرانه، ولكى يفعل ذلك ضغط بشدة على شعبه حتى هلك الزرع والضرع..إلخ ..
وتصل الرواية هنا إلى ذروتها فى إبراز أن ذلك القرد الملك استخدم السلطة بلا حكمة ، إلا أن النهاية الكاملة لهذا الملك وفقاً للرواية تأتى عندما يلتقى مع «بوذا» الذى استدعته كائنات سماوية كى يتعامل مع هذا القرد المنفلت الذى يهدد بحماقته السلم المجتمعى، رغم محاولتها المتكررة فى تطهيره.. وبالفعل ينجح «بوذا» فى قهر كبرياء الملك القرد، حيث قام بسجنه فى جبل العناصر الخمسة، بعد أن لقنه درساً فى نسبية القوة .
وبعد مرور 500 عام قام أحد القديسين من أتباع بوذا (القديس كوان ين) الذى يمثل الرحمة المطلقة بزيارة القرد الملك فى السجن، وقرأ عليه قصيدة طويلة كان مطلعها: «من المحزن جدا أن القرد الساحر لم ينفع الناس... لأنه كان مجنونا بعظمة الزعامة».. وتلخص القصيدة فى مجملها انتقاد امتلاك القوة بغير ذكاء..
وبعد أن أنصت القرد للقصيدة تضرع إلى القديس أن يطلق سراحه من السجن، ووافق القديس بشرط أن يهب القرد نفسه للبحث عن الحكمة والإستنارة ليس فقط من أجل نفسه وإنما من أجل المجتمع كله، وقبل أن يفتح باب الزنزانة ويطلق سراحه، وضع القديس حلقة معدنية فوق رأس القرد، وهى حلقة سحرية تضيق كلما تصرف القرد بشكل غير لائق كى تؤلمه وتذكره بعهده الذى قطعه على نفسه..
ولا يمكن أن نغادر عالم الأساطير الصينية الحكيمة دون أن نشير إلى حقيقة أن البعض يفضل تقمص دور الشيطان الأخرس، ومن الرموز المألوفة التى يحتفظ بها البعض كتعويذة فوق مكاتبهم، تماثيل قرود ثلاثة، أحدها يضع يديه على أذنيه، والثانى يضعهما على فمه، والثالث يضعها فوق عينيه.. كرمز للسلامة يوفرها الخوف، وتعبير عبقرى عن الشيطان الأخرس الذى لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم، وربما كانت تلك هى القرود التى عاشت فى مملكة القرود التى روينا حكايتها..
وتحكى الحكمة الصينية أن صبر القرود قد طال فى مملكة القرود حتى تدخلت السماء كى تنقذهم من مصيرهم البائس، إلا أن «بوذا» قد مل من النزول والتدخل، وأصبح متعيناً على القرود أن تتخلى عن خوفها المرضى من المجهول، وخوفها الموروث من السلطة، وألا تظل دائما فى حالة انتظار للقرد المخلص أو الساحر أو القوى، وعليها أن تختار النظام الذى يناسبها بعد أن تزيح تلك الطبقة من القرود الراقصة حول إيوان القرد الحاكم..
وفى الصين كان المشكلة المعاصرة كما نعلم كيف يمكن إطعام وإسعاد ما يزيد على بليون ونصف البليون نسمة من السكان، ويقول البعض أنهم اختاروا السوق المفتوحة، بينما يرى البعض الآخر أنها تمسكت بالنظام الاقتصادى المخطط، والواقع أنها لم تتخذ طريقا سبق للآخرين السير عليه، لقد اختارت ما يناسب ظروف الصين الواقعية التاريخية والاقتصادية والثقافية والسياسية ..
والحقيقة أن مشكلة المجتمعات البشرية لا تختلف كثيرا عن مشكلة مملكة القرود، فليس مهما ما هو شكل نظام الحكم أو أيديولوجيته طالما كان يحقق العدل والمساواة والتنمية والتقدم، واسمحوا لى أن استعير الحكمة الصينية مرة أخرى، فقد قال الزعيم الصينى دنج شياو بنج أنه «ليس مهما أن يكون القط أسود أو أصفر.. المهم هو أن يتمكن من اصطياد الفئران»...
لمزيد من مقالات السفير معصوم مرزوق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.