مزق الغلاف برقة وقدم إليها قطعة الحلوى.. كانت تحب الشيكولاتة كثيرا وهو يعرف ذلك.. لذلك جاءها بأغلى وأفخر نوع من حلواها المفضلة.. فمن الذوق أن تجعل آخر لحظة فى حياة إنسان هى أسعدها. تناولتها منه شاكرة برقة أكثر من تلك التى أبداها.. فهى تحب دائما أن ترد الصاع صاعين.. ممتلئا بتبر الذهب كان أم بتراب القبور. ابتسمت وهى تتناول منه القطعة السميكة العريضة التى تمزق طرفها الأعلى.. أدارتها بين يديها.. تأملت الاسم البديع المنقوش على الورق البنى اللامع المشوب ببياض رقيق لا سورة فيه ولا شحوب.. إنه البياض الرقيق الأنيق الذى تعشقه. ابتسم بدوره حينما أدرك أنها تتأمل المساحات البيضاء معجبة.. قال لها واعدا متباهيا بتنفيذه لكل رغباتها وتلبيته لكل نزواتها: سأجعلهم يقصون لك قطعة قماش بنفس درجة الأبيض التى تحبينها.. أقصد قماش الكفن. ذهلت للحظة وحدقت فيه بدهشة حقيقية لا أثر للرعب فيها, وذلك قبل أن تنشق شفتاها عن ابتسامة غريبة لا معنى لها.. ردت ضربته الناعمة بضربة أكثر نعومة وأكثر قسوة: الأبيض للرجال.. أما النساء فيصنعون لهن أكفانا بنفسجية.. وأصلا لا توجد درجات للأبيض. ليس للأبيض درجات ولم يكن لأبيضهما درجات قبل أن تلطخه كل الألوان.. إن كليهما كان أبيض ثم تلطخا.. وها هما يواجهان بعضيهما.. هى بحمرتها النارية وهو بنابه الأزرق الذى يخفيه تحت شفتين منفرجتين عن آخرهما فى ابتسامة تعرف هى أنها زائفة كاذبة خادعة مراوغة. قضمت قطعة صغيرة من الشيكولاتة الدسمة الملساء المخلوطة باللبن.. لاكتها ببطء مستمتعة بمذاقها الثرى الفريد.. وقبل أن تزدردها وجدت من اللياقة أن تدعوه لتذوقها.. انتظرت حتى قضمت منها لئلا يستطيع أن يأكل منها.. فقد كانت تعرف أنه سيرفض مشاركتها فيها.. هز رأسه شاكرا وضرب على صدره بطريقة أولاد البلد مظهرا عظيم امتنانه وقال ساخرا: شكرا جزيلا لك.. إن الشيكولاتة المسمومة لا تناسب صحتي. اتسعت عيناها.. ليس دهشة مما يقول لكن لأنه يقولها فى وجهها.. أما اعترافه نفسه فلا قيمة له عندها فهى كانت تعرف تلك المعلومة من قبل! حدقت فيه هنيهة.. بلا أثر لصدمة أو انفعال على وجهها.. ولم تصدم وتنفعل؟.. لقد أطعمته السم فى الخبز الفرنسى على الغداء، وتعرف أن موته سيسبق موتها.. لقد اتفقا على الموت معا.. لكنه حاول التملص من الوعد.. أتاها مسمما إياها قبلا لينقذ نفسه.. فهو يعرف أنها معتوهة، وأنها قتلت قبله ثلاثة أزواج بدم بارد! نظراتها أخافته وشرد تفكيره وتبددت شجاعته التى قضى شهرا يستجمعها.. لكنها لحسن الحظ لم تطل إليه النظر فوق ما يحتمل.. بل استكانت نظراتها أخيرا وابتسمت له ابتسامة جعلت جلده يرتعش وقلبه ينتفض! حدقت فيه لآخر مرة.. ثم مزقت غلاف الشيكولاتة تماما.. عرت القطعة السمينة المتباهية بسمنتها والمتفاخرة بنعومتها وألقت بالغلاف بعيدا.. تجعد الغلاف واختفى الأبيض وسط دوامات من اللون البنى وضحك ساخرا بدوره.. ابتسمت للمرة الثانية وراحت تلتهم القطعة كلها على قضمات كبيرة ملء الفم. [email protected]