* ليست مجرد مشروع بل حكاية شعب يصنع التاريخ * تنفيذ الوحدات السكنية لمراعاة متطلبات ذوى الاحتياجات الخاصة يعكس الرقى الإنسانى فى مصر الجديدة * العاملون فى القناة: نتمنى انتقال روح وثقافة العمل لرجال القوات المسلحة الى كل قطاعات المجتمع تظهر روعة الإنجاز في الملاحم الكبري في حياة الشعوب علي قسمات وملامح من أسهموا فيه، ويتسرب تيار من الفخر والعزة في أوصال من يتابع العمل العظيم وهو يري العرق والكد والجهد وقد تحول إلي واقع ملموس. كنت من المحظوظين في الأسبوع الماضي بعد أن منحني الرئيس عبد الفتاح السيسي والقوات المسلحة فرصة نادرة للمشاركة في زيارتين خلال خمسة أيام، والقيام بجولة في مشروع قناة السويس الجديدة, فما طالعناه في الكتب عن تاريخ شق القناة الأولي وتضحيات الأجداد العظام ليس كما نراه باديا للعين في القناة الثانية، فضخامة الإنجاز اليوم أن المشروع ليس مجرد قناة أو معبر مائي يجري حفره بسواعد مصرية وآلات ومعدات متطورة ولكنه جزء من خطة شاملة لتنمية بقعة غالية من أرض مصر، تضع اللبنات الأولي للأمل والحلم في بناء الدولة الحديثة أمام كل فئات الشعب، وتؤكد أن الإرادة الحديدية للمصريين لن تلين رغم كل العواصف والأنواء في المنطقة العربية والشرق الأوسط. مرت الأيام سريعا منذ إعلان الرئيس عن مشروع القناة الثانية وتنمية محور القناة ولم يعد أمامنا سوي 75 يوماً علي الافتتاح الأسطوري للمجري الملاحي الجديد.. يوم الجمعة الماضي شاهدنا بصحبة الرئيس السيسي المشروع من الجو، وفي الجولة الثانية يوم الثلاثاء الماضي أقلعت بنا الطائرة إلي الإسماعيلية بإتجاه بورسعيد شمالا ثم إلي الموقع علي الأرض وسط القائمين علي المشروع من عمال ومهندسين وضباط الجيش المشرفين. في المرة الأولى، رأينا تفاصيل لا يتم الترويج لها ولا تعرف طريقها إلي وسائل الإعلام حيث ستكون معلومة في حينها، منها مشروع إنشاء مطارين «دوليين» في شرق وغرب القاهرة، ومشروع إنشاء مدينة سكنية فوق جبل الجلالة البحرية مقابل ميناء العين السخنة علي ارتفاع 700 متر فوق سطح البحر. علي «مدد الشوف» في مدن القناة وشرقها عمل وكفاح أبطال وملحمة رأيناها من الجو أسطورة علي أرض الواقع تستحق أن تٌروى. يوم الثلاثاء الماضى، اقتربت من تفاصيل شق قناة السويس الجديدة ورأيت المستقبل يحفر وسط الصخور والابتسامة على وجوه كل العاملين فى المشروع حيث حديث الرئيس السيسى يشد من أزرهم ويحفزهم على مواصلة المشروع فى الزمن القياسى الذى حدده بنفسه وتحدى به كل الأصوات التى تشككت فى المدة الزمنية المطلوبة لعمل ضخم يحتاج إلى سنوات. اليوم.. صارت هناك أربع ضفاف لقناة السويس وليس ضفتين فقط، بدأت الرحلة من الضفة القديمة فى الإسماعيلية وانتهت عند الضفة الرابعة الجديدة فى سيناء وعشنا 6 ساعات كانت أقرب فى توهجها وروعتها بملحمة العبور العظيم فى 6 ساعات يوم السادس من أكتوبر 1973، دماء الجنود البواسل لم تضع هدرا من أجل استعادة سيناء ومن الجهد السياسى والدبلوماسى الكبير فمن استعادة آخر بقعة من سيناء إلى التنمية المتواصلة فى الشمال والجنوب وانتهاءً اليوم بمشروع يليق بالمستقبل يجمع بين قدرات المجرى العملاق بعد الازدواج وإمكانات مصر فى أن تصبح منطقة جاذبة لتجارة «الترانزيت» والخدمات والتصنيع وأن تصبح حلقة وصل حيوية بين تجارة الشرق والغرب من جانب والقارة الإفريقية فى جانب آخر. أعمال التكريك (تجهيز حوض المجرى المائي) انتهى العمل فى 75% منها قبل شهرين ونصف الشهر من موعد افتتاح القناة فى السادس من أغسطس المقبل، ويبلغ المعدل اليومى للتكريك قرابة مليون ونصف المليون متر مكعب وهو حسب القائمين على المشروع معدل غير مسبوق فى أعمال الإنشاءات من تلك النوعية من المشروعات. ويستعد المشروع يومى 27 مايو الجارى و12 يونيو المقبل لاستقبال أكبر كراكتين لتعميق المجرى الملاحي (المرحلة الأخيرة) حيث ينتظر أن ينضما إلى الكراكات التى تعمل بالفعل فى المشروع وهى للمفاجأة تمثل 75% من الكراكات فى العالم. وكانت تلك الخطوة هى التالية على انتهاء الحفر الجاف بمعنى إزالة الأتربة حتى الوصول إلى سطح المياه، وتمكنت الشركات المصرية ال 87 التى تشارك فى الملحمة من إتمام الحفر الجاف فى 9 أشهر فقط ورفعت أكثر من 180 مليون متر مكعب من الرمال بمعدل مليون متر مكعب يومياً وهو رقم قياسى أيضاً. وبالتوازى مع أعمال التكريك.. تجرى أعمال إنشاء «سحارة المياه العملاقة» تحت القناة بعمق 20 مترا، وتضم أربع بيارات لنقل المياه من غرب القناة إلى شرقها لتوفير المياه للتجمعات السكنية القائمة فى سيناء ومدينة الإسماعيلية الجديدة، وأيضا أعمال رى 80 ألف فدان مسجلة بخلاف أراض غير مسجلة. وكل بيارة بها ماسورة مياه يصل قطرها إلى 3.2 أمتار وتسمح بمرور 28 مترا مكعبا من المياه فى الثانية الواحدة وسيتم الانتهاء منها منتصف الشهر المقبل بديلا عن ترعة السلام حيث سيتم تشغيل البيارات لنقل المياه قبل افتتاح القناة. وشرح المهندسون فى المشروع أن أعمال التكريك تواكبها اليوم عمليات «التدبيش» للمجرى الملاحى وأعمال التجهيز الهندسى لطرق ربط المعابر والمعديات (تم الانتهاء من 20 كيلو مترا من أصل 35 كيلومترا بالفعل)، وتجهيز الوصلات بين القناتين... عمليات متابعة التنفيذ تشكل محورا مهما فى سرعة الإنجاز، فالهيئة الهندسية للقوات المسلحة المشرفة تقوم بعقد اجتماعين أسبوعيا مع الشركات الوطنية المنفذة : الأول لمتابعة الطرق والثانى خاص بمتابعة تنفيذ العمل فى مدينة الإسماعيلية الجديدة. كأن وجه مصر باسم وسعيد بأبنائها وهم يكتبون التاريخ ويصنعون المستقبل... أكثر من 40 ألف عامل فى المشروع من أبناء مصر ومازال الباب مفتوحا لمزيد من شباب مصر سواء كانوا من العمالة المدربة أو من يحتاجون إلى تدريب، وأكدت قيادات الهيئة والشركات العاملة أنها على استعداد لتدريب الشباب على الحرف المختلفة حتى لو أرادوا الخروج من المشروع إلى أماكن عمل أخرى. وقد لاحظت من كلام مسئولى الشركات الوطنية فى المشروع أن روح المؤسسة العسكرية ومفردات رجالها فى الحديث قد انتقلت إليهم بدروهم حيث تظهر علامات الانضباط والالتزام فى الوعود والتوقيتات التى تأتى على ألسنتهم، والشعور العام لدى الجميع هناك بأن المشروع ليس مجرد قناة تٌشق بل هى حياة جديدة ومستقبل يٌصنع وتاريخ يٌكتب وكل فرد يريد أن يكون له شرف المشاركة.. كما ان المشروع بكل قسماته ليس مجرد قناة تعبر فيها السفن ويربط الشرق بالغرب بل هو باب جديد للرزق يوفر فرصا لعشرات الآلاف من الشباب عندما تنطلق مشروعات أخرى عديدة على الضفاف الجديدة. صورة ملحمية تتكون، بحيرات فرعية.. أحواض استزراع سمكى من نتاج التكريك.. جزر تٌخلق..مزارع... طرق تخفف من منسوب الطريق البرى المحازى للقناة.. تجهيز وسائل العبور بين الشرق والغرب .. معديات وكباري .. فى السادس من أغسطس المقبل.. سنصحو على واقع جديد فى مجرى القناة الملاحى حيث ستكون الفرصة متاحة لمضاعفة حركة المرور فى القناة، فالوضع الحالى يقول إن العبور لمدة 12 ساعة لقافلة الشمال (من 6 صباحا إلى 6 مساءً)، وهى القافلة التى تعبر من المدخل الشمالى عند بورسعيد إلى المدخل الجنوبى عند السويس ثم خليج السويس فالبحر الأحمر. وبدورها، تمر قافلة الجنوب فى الاثنتى عشرة ساعة الأخرى من السويس إلى بورسعيد إلى البحر المتوسط.... بعد افتتاح القناة الجديدة، سيكون العبور فى الاتجاهين 24 ساعة يوميا وهو ما سيجلب كثيرا من المنافع لحركة التجارة الدولية. فى الإسماعيلية الجديدة على موعد آخر مع الإنجاز القياسي، شاهدت ما يجرى فى المرحلة الأولى من مدينة الإسماعيلية الجديدة التى سيتواكب افتتاحها مع افتتاح القناة الجديدة. وتشمل المرحلة الأولى 34 ألف وحدة سكنية تليها مرحلة ثانية للوصول بالوحدات إلى 58 ألف وحدة وتشارك 110 شركات وطنية فى أعمال المشروع ويعمل المهندسون والفنيون والعمال 24 ساعة فى اليوم بنظام الورديات حيث يوجد حوالى 180 ألف عامل فى المواقع المختلفة. وقد أوضح القائمون على التنفيذ أن هناك خمسة أحياء فى المرحلة الأولى وفى كل حى يتم إنشاء وحدات للخدمات ومدرسة ومستشفى ونقطة شرطة فى المنطقة المركزية به بينما كل بناية لن يتجاوز ارتفاعها خمسة أدوار بالإضافة إلى بدروم أرضى لإجمالى 707 عمارات فى المرحلة الأولي. وسيكون السكن فى المدينة الجديدة متاحا لكل الفئات بعد تسليم الهيئة الهندسية الوحدات لوزارة الإسكان. وفى بارقة أمل تعكس الرقى الإنسانى وتضعنا على مستوى يليق بمجتمعنا، تم بناء الوحدات السكنية بمدينة الإسماعيلية الجديدة لتناسب سكن ذوى الاحتياجات الخاصة لتكون المدينة هى الأولى من نوعها فى مصر وفقا لما هو متبع فى الدول المتقدمة. فتعليمات الرئيس السيسى واضحة للقائمين على المشروع بعدم التفرقة على الإطلاق فى أعمال تشطيب الوحدات، فما يسرى على الفيلات يسرى على الإسكان الاجتماعى والاقتصادى والمتوسط. والمدينة هى الأولى فى خطة تعمير وتنمية منطقة شرق القناة فى سيناء وهى أبلغ رد على أن عملية التنمية الواسعة فى تلك البقعة الغالية تسير وفقا لما هو مخطط وبمعدلات عالية وأن الأمر ليس كلاما أو تصريحات فارغة المضمون. وبشرى الخير فى المشروعات القائمة أن نسبة كبيرة من العاملين من أبناء سيناء، فهى رسالة بأنهم شركاء فى صنع المستقبل وبناء مصر الحديثة. وبأن إهمال سيناء سنوات طويلة قد انتهى. فى مواقع العمل بالمدينة الجديدة.. يتساءل العاملون عن التسمية التى ستطلق عليها وقال لى أحدهم: الخديو سعيد منح ديليسبس امتياز حفر القناة عام 1859 وتم تسمية مدينة بورسعيد باسمه، ثم جاء الخديوى إسماعيل ليشهد فى عهده افتتاح القناة 1869وسٌميت الإسماعيلية بإسمه، وهنا أردف محدثى: لماذا نطلق اسم الخديو إسماعيل مرة أخرى؟! التى نبنيها الأن؟ فمن الممكن أن نطلق عليها أسما يربطها بما يجرى اليوم فقد يكون الأسم «25 يناير» أو «30 يونيو» أو «الشعب» أو «الجيش» أو سيناء الجديدة أو اسم الرئيس الذى صنع إنجازا عملاقا فى عام واحد فقط..... لرأى الرجل وجاهة ونحتاج بالفعل إلى التفكير فى التسمية. فى طريق العودة ليس سرا أن منصة حفل افتتاح قناة السويس الثانية يجرى إعدادها من اليوم حيث سيقف عليها قادة وزعماء ورؤساء دول وحكومات من جميع أنحاء العالم وكثيرون أبدوا رغبة فى الحضور وهناك «شٌرفة» يتم تجهيزها على أحد الممرات الواصلة بين القناتين يقف عليها الرئيس لاستقبال ضيوف مصر الكبار وكل الشواهد تقول إن حفل الافتتاح سيكون لائقا بمصر وضيوفها وتتويجا للإرادة الصلبة التى كسرت الجهل والانحطاط والجماعات المارقة فى ملحمة 30 يونيو ونجت بالبلاد من أتون الانقسامات والخراب إلى البناء والتعمير. ولأن ملاحم الشعب فى السنوات الأربع الماضية حاضرة فى عقل الرئيس السيسي، فقد طلب من القائمين على إعداد المنصة الرئيسية، التى ستشهد إعطاء إشارة تشغيل القناة الجديدة، تضمين الاحتفال لوحات جدارية حول المنصة تٌخلد شهداء مصر من العمال والفلاحين فى حفر القناة الأولى وأسماء شهداء العمال والفلاحين فى حفر القناة الجديدة حيث اسٌتشهد 14 مواطنا فى أعمال تشييد القناة حتى تاريخه. فى طريق العودة أيضا يتحدث العمال فى المشروعات المختلفة عن خبرة التعامل والتعاون مع رجال القوات المسلحة ويرون أنهم يقدمون نموذجا فى إتقان العمل بلا ضجيج وبلا دعاية وبأعلى جودة وبأقل تكلفة ويتمنون أن تنتقل تلك الروح إلى كل قطاعات العمل فى المجتمع المصرى وأن تنتقل الصورة عن أمانتهم ووطنيتهم كما هى بدلا من سخافات البعض ممن لا يعملون ويسوؤهم أن يعمل الأخرون. وقد علمت أن مشروع مطار غرب القاهرة الدولى يتكلف 300 مليون جنيه فقط وهو من المشروعات التى تنفذها القوات المسلحة، استعدادا لافتتاح يواكب افتتاح القناة الجديدة، بينما تكلفت أعمال تطوير أحد المطارات 300 مليون دولار من أموال المساعدات الأمريكية فى عام 2007 رغم أن الأمر لم يتجاوز عملية تحديث فى وقتها! قصة حفر قناة السويس الجديدة تصلح مثالا علي «عودة الروح» وحكاية شعب يواجه الحاضر بكل صعوباته وتعقيداته وأزماته ويقرر السير إلى المستقبل رغم كل ما يجرى حوله من خراب وتدمير، وقصة القناة ترفع من أسهم الدولة فى مواجهة أصحاب المصالح وتؤكد أن هناك عيونا ساهرة تقف بساعد ضد الهدم والتخريب والإرهاب وبالساعد الآخر تبنى كتفا بكتف مع أبناء شعبها وربما هو قدر لشعبنا أن تتواصل ملاحمه عبر قناة السويسوسيناء فى الأوقات التى تتآمر قوى داخلية وخارجية على مقدراتها ولكن فى كل مرة يثبت المصريون أنهم أقوى من أعدائهم واقوى من مؤامراتهم. ... عدت إلى القاهرة وأنا على يقين أن مدة العامين التى تحدث عنها الرئيس السيسى حتى نرى إنجازات حقيقية ليست بعيدة المنال، بل هى فى متناولنا لو أحسنا العمل وأتقنا وأخلصنا لمصرنا الحبيبة. فتحية إلى رجال مصر فى مواقع العمل.. وتحية إلى جنودنا الساهرين على حفظ أمن وأمان الوطن. لمزيد من مقالات محمد عبد الهادى علام