الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة، حاكم من نوعية نادرة في الوطن العربي، فهو من أشد المؤمنين بالثقافة ودورها في المجتمع، وقد كان دائمًا من أشد الداعمين للنشاط الثقافي، وليس هذا بغريب لمن يعرف الشيخ سلطان، فهو صاحب المؤلفات السياسية في العولمة وصراع الحضارات مثلما هو أديب مقتدر له عدد من المسرحيات والأعمال الروائية، لأنه باختصار حاكم مثقف. وحين استضاف معرض فرانكفورت الدولي للكتاب العالم العربي كضيف شرف عام 2004 قامت إمارة الشارقة بتوجيه من حاكمها الشيخ سلطان بن محمد القاسمي بترجمة 86 كتابًا عربيًّا حتى تكون في متناول جمهور المعرض، وبعد أن انتهى المعرض أصدر الشيخ سلطان أمرًا بمواصلة المشروع كي يصل عدد الكتب المترجمة إلى مائة كتاب، فكانت تلك إضافة مهمة إلى جهود نشر الثقافة العربية والفكر في العالم في وقت يتهم العرب والمسلمون بأنهم بلا حضارة وأن دينهم يحض على العنف. وقد استوقفني موقف حاكم الشارقة منذ ذلك الوقت، وحين قابلته بعد ذلك في يناير 2006 أثناء اجتماعات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في الشارقة ازداد إعجابي به وإيمانه بالثقافة وبدورها القيادي في المجتمع، وبدفاعه عن اللغة العربية التي حث الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب على الاهتمام بها، وقد أعجبني وصفه للغة بأنها اللغة التي نقلت العلم والثقافة إلى الغرب فأتت بعصر النهضة الأوروبية في القرن ال16، ثم قال إن إسرائيل أحيت لغة كانت ميتة، ونحن نهمل لغتنا وكأننا نريد قتلها، بينما اللغة هي رمز الهوية والشخصية المميزة للعرب جميعًا. وربما كان أكثر ما يميز الشيخ سلطان بن محمد القاسمي صراحته المطلقة، فهو يسمي الأشياء بمسمياتها، يبدي أسفه على أن الدول العربية لا تغدق على الثقافة ما تستحقه من دعم، ويرى أن هناك على سبيل المثال قصورًا في جميع الدول العربية في مجال الاهتمام بالثقافة وتأكيد مكانتها في المجتمع، تلك المكانة التي تسمح بتطور المجتمع العربي للثقافة وارتقائه، وقال إن الأموال التي تخصص في الدول العربية لا تكاد تذكر. ثم قال إن الزعيم الفرنسي الراحل شارل ديجول جعل من الكاتب اللامع أندريه مالرو وزيرًا لثقافته وكان يجلسه دائمًا إلى جانبه، وقال الشيخ سلطان: ونحن نأمل من حكام الوطن العربي أن يجلسوا المثقفين إلى جوارهم. ولقد تحدث الشيخ سلطان عن أحوال الكتاب في مصر فوجدت لديه اهتمامًا كبيرًا بمصر وشعبها يرجع لفترة دراسته بكلية الزراعة في جامعة القاهرة، وقد تحدث إليَّ بحنين كبير عن تلك الأيام التي مازالت محفورة في ذاكرته، كلما تحدث عنها فاضت كلماته عاطفة وحبًّا. وحين علم الشيخ سلطان بمشروع الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب لترجمة 105 روايات عربية من مختلف الأقطار الشقيقة تحمس للمشروع واستمع طويلاً لتفاصيله فعرف أننا اخترنا أن نبدأ باللغات التي ليس معتادًا الترجمة إليها مثل اللغة الروسية والصينية، وعرف أن الكتب الصينية صدر منها بالفعل 14 رواية، وأن أعدادها نفدت بالكامل، وأن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بصدد الاتفاق الآن على طبعة جديدة، كما عرف أيضًا أن الكتب المترجمة إلى الروسية تمت ترجمة 18 منها حتى الآن وأننا بصدد الاتفاق على نشرها، وإزاء ذلك بادر الشيخ سلطان بالتبرع بمبلغ مائة ألف دولار لاستكمال ذلك المشروع الذي وصفه بأنه حيوي للغاية. ولقد تابعت الاتصال بحاكم الشارقة بريديًّا وهاتفيًّا إلى أن تم بالفعل تحويل المبلغ إلى حساب الاتحاد العام في القاهرة، وفي أول اتصال لي بالشيخ سلطان بعد ذلك شكرته باسم جميع الأدباء العرب، وقلت له: أما بالنسبة لأدباء مصر فأرجو أن يكون لنا حديث آخر عن أحوالهم، فقال لي بالحرف الواحد أدباء مصر في القلب ولا يمكن أن أنساهم. ومرت بضعة أشهر وإذا بالشيخ سلطان يرسل لي الصديق الكاتب العراقي جمعة اللامي المقيم بالإمارات ليحمل إليَّ بشرى سعيدة، كنا نحتفل في اتحاد كتاب مصر بيوم الكاتب، وجاءني الأستاذ جمعة مهنئًا، ثم رن جرس هاتفه المحمول وهو في مكتبي فأخبرني أن الشيخ سلطان على الجانب الآخر يطلب منه أن يوصل لنا هديته لكتاب مصر في يوم الكاتب. قال لي الصديق جمعة اللامي إن الشيخ يبلغني أنه مازال عند كلمته لي عن كتاب مصر وأنه ينتهز مناسبة احتفالنا بيوم الكاتب ليخبرنا أنه قرر التكفل بالضمان الصحي لكل أديب مصري يتعرض للمرض ويحتاج للعلاج. وكانت هدية الشيخ سلطان وفاء للكلمة التي قالها لي أكثر مما كنت أتوقع، لكن هذا هو شأن حاكم الشارقة لمن يعرفه، بكرمه الذي لا يضاهيه كرم وعروبته الأصيلة ونبله العظيم. وحين اتصلت بالشيخ سلطان في اليوم التالي للاحتفال لأشكره على هديته القيمة أكد لي سموه مرة أخرى أنه مصري وأخبرني بما لا يعرفه الكثيرون، وهو أنه أثناء وجوده في مصر كان مجندًا احتياطيًّا في حرب 1967، وقال لي: إن سنوات إقامته في مصر لا تعوض. وقد عرضت على سمو الشيخ الحاكم أن نستضيفه في اتحاد الكتاب بمصر في لقاء موسع مع كتاب مصر أعضاء الاتحاد، وفي هذا اللقاء- الذي كان في أول شهر من عام 2008- قام الاتحاد بمنح الشيخ سلطان العضوية الشرفية لاتحاد كتاب مصر ليس فقط اعترافًا بدوره في رعاية الثقافة والمثقفين، وإنما أيضًا لكونه كاتبًا وأديبًا مميزًا.