كان يجب علي مجلس نقابة الصحفيين أن ينأي بالأهواء الشخصية وتصفية الحسابات جانبا حال رفع توصية لمجلس الشوري للاسترشاد بها في اختيارات رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء تحرير المؤسسات الصحفية. وأن يكون أمينا علي المهنة وأعضائها في الطرح. وعلي قاعدة تمخض الجمل فولد فأرا تضمنت توصية المجلس ستة بنود في أعقاب سلسلة من الاجتماعات والبحث والتنقيب لا ترقي أبدا إلي مستوي مجلس منتخب من المفترض أن يضم عناصر تتسم بقدر من الضمير ومزيد من المسئولية حيث استهدف كل بند منها النيل من شخص أو أشخاص بعينهم كما جاءت أيضا بمثابة تفصيل علي أشخاص محددين وهو أمر يحط من قدر الأعضاء ويتطلب جمعية عمومية طارئة لسحب الثقة من مجلس أثبت بالدليل القاطع أنه لا يرقي أبدا إلي مستوي المرحلة الجديدة التي تعيشها مصر أو التي تمر بها المهنة علي السواء. البند الأول والخاص بأن يكون ذلك الذي يقع عليه الاختيار من ذوي الكفاءات هو عبارة مطاطة لا تحكمها قواعد ولم تكن تحتاج إلي اجتماعات ومناقشات حيث كان الأولي أن يتم النص علي تاريخ صحفي يليق من خلال أرشيف الصحفي بالصحيفة أو بالصحافة بصفة عامة وبذلك نكون قد استبعدنا من قضوا سنوات العمل في المزايدات والحنجورية دون إنتاج حقيقي. البند الثاني الخاص بألا يتجاوز المرشح60 عاما مردود عليه بأن هذا الزميل مازال علي رأس العمل بأداء أكثر من متميز وقد وصل إلي مرحلة من النضج والاحترافية ندر أن تتواجد بين من هم أقل عمرا, كما أن هذا الشرط سوف يفقد الاختيار عامل المساواة بين جموع الصحفيين, وحتي إذا وجدنا داخل المؤسسات من يطرح مثل هذا الافتراء فكان يجب علي مجلس النقابة أن يتخذ موقفا مهنيا بحتا ينحاز للأعضاء وخاصة أن ذلك الشخص ما زال عضوا عاملا بالنقابة له حق الترشيح والترشح ويسدد اشتراكاتها وهو أكثر خبرة نقابيا ومهنيا من جميع أعضاء مجلس النقابة. البند الثالث الخاص بألا تقل سنوات الخبرة عن15 عاما فهو أيضا مردود عليه بأن هذه الخبرة الضئيلة في مهنة الصحافة لا ترقي أبدا إلي ذلك المستوي القيادي في ظل المنافسة الشرسة ليس بين الصحافة المكتوبة وفقط وإنما مع الإعلام المرئي أيضا وهو بند تم تفصيله لحساب أعضاء أصروا عليه- كما علمت- أي لأسباب شخصية أيضا وخاصة إذا علمنا أن نصف أعضاء مجلس النقابة تقل خبراتهم عن15 عاما. البند الرابع الخاص بألا يكون قد عمل في السابق مستشارا لأي جهة عامة أو خاصة فهو أيضا يستهدف زملاء بعينهم حيث كان يجب النص علي ألا يمارس مثل هذا العمل حال كونه رئيسا للتحرير أو لمجلس الإدارة, أما من كان يعمل بذلك في الماضي فإن النقابة هي التي يجب أن تتحمل المسئولية حيث لم يكن لها موقف واضح من مثل هذه الممارسات والتي لا أعتبرها شخصيا مشينة طالما أنها لم تكن تتعارض مع طبيعة العمل الصحفي, كما أن النقابة لم تسع إلي تحسين أوضاع الصحفيين المادية وإلا فكان مطلوبا من هؤلاء كي يعملوا علي تحسين أوضاعهم المعيشية أن يقوموا بقيادة تاكسي بعد الظهر أو العمل بأحد الملاهي ليلا. البند الخامس الخاص بعدم جلب إعلانات في السابق هو أكثر من مستفز وذلك لأن مهنة الصحافة قد شهدت خلال العقود الأخيرة تداخلا معقدا بين الإعلان والتحرير وصل إلي درجة صعوبة التفريق بين الصفحات التحريرية وغيرها أو الخبر التحريري وغيره لدرجة أننا رأينا ما يسمي بالإعلان التحريري ووصلت الخلطة إلي التعاون التام بين إدارتي التحرير والإعلان وهو أمر أيضا تتحمله نقابة الصحفيين التي لم تحاول تفعيل لوائحها في هذا الشأن وكأنها تغاضت عنه للاصطياد في الوقت المناسب. البند السادس هو الأكثر سخرية بين هذه البنود والخاص بشرط العمل خلال السنوات العشر الأخيرة داخل المؤسسة, ففي ذلك عدم إحساس بأي مسئولية اجتماعية أو أخلاقية أو مهنية حيث حرمان من عمل في صحيفة أخري خلال سنوات مضت بعد أن رأي فيها تحقيق طموحه المهني والذي كان نتيجة اضطهاد في مؤسسته الأصلية أو من عمل مراسلا من الخارج لصحيفته في الداخل أو من عمل في صحف عربية نتيجة الأوضاع المادية المهينة أو السياسية الطاردة التي كانت تمر بها البلاد, ولا يجب أن نغفل أن أغلبية الصحفيين كانوا يسعون إلي هذه وتلك ناهيك عن أن هؤلاء الذين اعتبرهم مجلس النقابة كانوا يعملون مكوجية بالخارج قد اكتسبوا خبرات ما كان يمكن أن تتحقق لو ظلوا قابعين بمكاتبهم يلعبون دور عواجيز الفرح في الساحة الصحفية المحلية كما هو حال الأغلبية حاليا نتيجة البطالة المقنعة وخاصة في المؤسسات القومية. وما يثير للدهشة هو ألا ينص في توصية مجلس نقابة الصحفيين علي عدة أمور كانت هي الأهم من كل ما تم النص عليه إلا أنها الحسابات الشخصية أيضا وهي: عدم الجمع بين منصب النقيب أو عضوية مجلس النقابة وبين رئاسة التحرير أو مجلس إدارة إحدي المؤسسات حتي لا يصبح الخصم هو الحكم وذلك لما شاب هذا الجمع في الماضي من تناقضات عديدة أضرت بالمؤسسات والنقابة علي السواء ناهيك عن إضرارها بالمهنة. تجاهلت التوصية الموقف من الزملاء الذين ضربوا بتعليمات النقابة عرض الحائط وسافروا ويسافرون إلي إسرائيل وطبعوا ويطبعون مع سفارتها أو الاسترشاد بالجهات الرقابية في هؤلاء الذين يقيمون علاقات مع جهات ومنظمات أجنبية مشبوهة تتآمر علانية علي مصر وشعبها. ما هو موقف من كانوا أعضاء بارزين في الحزب الوطني ومن ترعرعوا في كنفه وأساءوا إلي المهنة علي مدي سنوات طويلة بل وحصلوا علي امتيازات صحفية وغير صحفية لم تكن أبدا حقا لهم علي حساب زملائهم في العمل. هي إذن بمثابة رسالة إلي الدكتور أحمد فهمي رئيس مجلس الشوري وذلك لأن صلاحيات مجلس النقابة- حسب القانون- مازالت تنحصر في شئون الصحفيين والارتقاء بهم والتي لا تزال تحتاج إلي كثير من الجهد والعمل حيث القصور الواضح نتيجة انشغال مجلس النقابة بالمناصب, وأما تنظيم شئون المهنة فيبدو أنها يجب أن تظل تخضع لآفاق خبرات سياسية وبرلمانية تتجرد من المكاسب الشخصية وتصفية الحسابات وهو ما يجب أن يجسده مجلس الشوري في ثوبه الجديد.