أمي الحبيبة.. أخاطبك اليوم وفي عيني أمل ينتظر.. في عقلي حلم لم يكتمل.. في فؤادي شوق لم يخبو.. وبقريحتي أمنية لم تر النور بعد.. ففي مثل هذا اليوم من كل عام أبث رسالتي اليك.. أكتبها دوما بمداد قلبي الذي يهوي قربك ويتوقف لحنانك الغامر وقلبك المحب.. واليوم أهمس في أذن الأم الغالية.. أم الشهيد.. شهيد الثورة والحلم البعيد... أشعر بما تعانيه يا أمي من ألم لم يفارق حنانيك ولا فؤادك حزنا علي أخي الذي صعدت روحه إلي بارئها.. ذكراه العطرة مازالت تفوح من جنبات ميدان التحرير التي تروي قصته للعابرين. ابنك يا أمي هو أخي الذي لم تفارق صورته ولا صوته عيني ولا عقلي حتي اللحظة.. مازالت حادثة بورسعيد وغيرها حاضرة في الفكر والخاطر ستظل شاهدة علي غدر وخسة اللئام من فئة لا تصنف أبدا من بني البشر. قري عينا يا أمي.. فالدم الدم.. والهدم الهدم.. دمنا دمه وأرواحنا تفتديك وتفتدي مصر الغالية.. ثقي في عدل الله وإنصافه للمكلومين والمظلومين فصاحب عدالة السماء يراقب عدالة البشر وحقوق العباد عنده لا تضيع ولا تنسي. أليس هذا ما علمتينا إياه؟!.. أليس هذا ما تربينا به علي يديك؟ مالي أري عينيك تدمعان إذن؟ لماذا هذه العبرات الحارة علي وجنتيك التي حفرت خطا أسود علي خديك؟ أبعد كل هذه الشهور مازلت تبكين؟ أين صبرك وجلدك يا أم الشهيد؟ أليس هذا لقبك الذي تفخرين به دوما يا صاحبة سنوات العمر الأبي؟.. أنت من زرعت فينا بذرة الصبر وقوة التحمل مهما اشتدت الخطوب وناءت بحمل الهموم القلوب.. فليرحل منا من يرحل يا أمي.. فتلك إرادة الله وقدره المحتوم.. وعهدنا بين يديك وبين يدي مصر ألا نقصر في حقكما أبدا.. ماذا تساوي الحياة بلا رضاك يا أمي؟ كيف يهنأ لنا عيش إذا مسك الضر أو شكوت يوما من ألم؟ كيف ننعم بحياة وأنت مازلت شاردة حزينة؟ تذكري أم الجميع.. مصر الحبيبة.. عندها سيهون في فؤادك كل تضحية وألم وفراق.. فأنت ووالدي العزيز من غرستما فينا حب الوطن وعشق ترابه الذي شهد لهونا وجدنا.. مازلت أذكر كلماتكما الرصينة التي تقطر حكمة وعذوبة وتملأ القلوب حبا وفداء وتضحية: يا بني وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه.. الحياة في وطن حر هو أغلي ما في الوجود.. الموت في سبيل أرضك وعرضك هو شرف الرجال وفخر الأبطال... يا ولدي الرجال مواقف وفي طريقك لا تخش إلا الله واعلم أن الموت لا يأتي مرتين.. فعش بعزة وإلا مت بكرامة فلا نامت أعين الجبناء. كم كانت كلماتكما سيفا ماضيا قضي علي أي ذرة خوف أو تردد في قلوبنا نحن الصغار.. فهمنا منكما مباديء الإيمان بالله والحق والعدل والإنصاف والشهامة والمروءة.. شباب تلك ثقافته ونشأته.. فلا عجب اذن من رهبة الأعداء من جيشنا الباسل وثروتنا البشرية علي مر العصور.. سجلها الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم( لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون). وقد تعلمنا منكما يا والداي الحبيبين.. أن الليل مهما طال وبدا الظلام الحالك سرمديا بلا نهاية.. فإنه حتما سيبزغ الفجر معلنا بدء يوم جديد تصحو فيه الشمس ويملأ النور أرجاء الدنيا.. وأبشري يا أمي فلا حزن بعد اليوم إن شاء الله.. منا الآن من يقف علي ثغور أمننا الخارجي والداخلي مدافعا وحاميا ومنا الطبيب الماهر الأمين في مهنته.. فينا المعلم المربي الذي يسقي أولادنا عصارة فكره وخبرة الأيام.. بيننا المهندس الخلاق المبدع والإعلامي الصادق ذو الضمير الحي والفني الخبير والعامل المجتهد والفلاح النشيط.. يا أم الأبطال جميع أبنائك في الجوار يملأون مصر عمارا وخيرا.. فإن مضي منا سعد سيأتي من بعده عمر.. قمر يمضي يتلوه قمر.. والآن دعيني أقبل جبينك وأري ابتسامتك يا ست الحبايب.. يا لها من ابتسامة عذبة يطير لها القلب فرحا وسرورا وتجعل الحياة كبستان جميل مزدان بالورود والأزهار تصدح فيه الطيور وتغرد العصافير. أحمد الله تعالي أنك أمي وهذا أبي وهؤلاء أخوتي وذاك وطني الحبيب.. رب اغفر لي ولوالدي.. رب ارحمهما كما ربياني صغيرا. محمود سليمان مهندس مدني