يعلم الله وحده، كم من السنوات نحتاج، لاستعدال «الاعوجاج» الاجتماعى، والتشوهات المجتمعية، التى فى كثير من جوانبها، جاءت «كمردودً»لسياسات اقتصادية، او لانعدام هذه السياسات وغيابها من الصورة اصلا، احد تجليات الاعوجاج الاجتماعى الفجة، الشعور لدى جماعة من الجماعات، انها فوق القانون، وان بامكانها التصرف كيفما شاءت، وقتما تشاء، او انها وحدها «كوم»، والباقى «كوم» آخر، سواء كان السبب فى ذلك استنادها الى «حظوة مادية» او «امتيازات سلطاوية»، أو لا قدر الله الاثنين معا. «الاستقواء» على الآخرين، اضعه على قمة هذه التشوهات، لانه عرض يعصف بالمجتمع ، على اكثر من مستوى، لانه من ناحية اخرى حلقة قد تتسع، بل هى بالضرورة تتسع، لتصل الى استقواء على القانون ذاته، وعلى الدولة، وهنا نصل الى النقطة التى ليس بعدها كلام، لاننا نكون وصلنا الى «سكة اللى يروح وما يرجعش». الجملة «السينمائية» الاستعراضية الشهيرة المتوعدة (انت مش عارف انت بتكلم مين)، التى غالبا ما تستخدم فى مواجهة محاولة لتطبيق القانون او لانتزاع مشروعية، لامر غير مشروع، هى رمز مبسط لاعتقاد مترسخ، ان «المين» لا ينطبق عليه ولا يسرى عليه ما يسرى على الآخرين. وان مجرد اظهار «هويته»، هوية هذا هذا ال «مين»، «كفيل بتخطى الحواجز، بما فيها الأطر القانونية، «الاستقواء» بمال او نفوذ ، يساوى «قهرا» وعدوانا، ويعادل «الفتونة»، التى هى فى جوهرها تعد على الحق. طبعا ، لسنا بحاجة للنظر طويلا حولنا، لرصد حالات «الاستقواء»، التى فاتت من زمن وانفلتت حدودها حتى صارت جزءا طبيعيا من المشهدً، لكن الواقعة التى احتلت حيزا من الاهتمام قبل يومين، وهى ما عرف باسم «سيدة المطار» حكاية تدعو للتأمل، لانها تقول إن جزءا من الجماعة المصرية للاسف ، قد صار يرى فى نفسه «دولة»، وان هذا البعض، ليس من الضرورة ان يكون من الخط الاول «للمماليك الجدد» من اصحاب حظوة المال او السلطة، لكن فيروس الاستهانة والاستقواء، قد وصل حتى الى اتباع الاتباع، واننا نعيش عصرا، تستطيع فيه حتى شغالة « سيدى البيه «او «كلبه»، ان «يمرمط» بنا الارض، وانه باختصار «هيبة الدولة صارت علىالمحك»، على شعرة. الحكاية، الرمزية من وجهة نظرى، ان سيدة تأخرت عن طائرتها المتجهة الى «الغردقة»، مسألة عادية جدا ممكن حدوثها كل لحظة، ويتحمل مسئوليتها الفرد الذى تأخر. لكن ما حدث ان السيدة، لم تتمالك نفسها، فتشاجرت مع موظف شركة مصر للطيران، ولما جاء ضابطً شرطة السياحة، فى محاولة لتهدئة الامر، تقيات السيدة، بطلة المشهد، اقوالا وافعالا عفنة، وفكت عقال لسانها، ليصل الفُجْر- بضم الفاء وتسكين الجيم- مداه، و «قلعت للضابط هدومها» فعليا، لا مجازا، وهى تتحداه وتتحدى دولته. المشهد الذى طغى عليه فجر القول والفعل - من جانب السيدة - التى وضح من أى بيئة اجتماعية قد اتت، كان رمزيا بامتياز، سيدة متجاوزة، حاول القانون (قانون الطيران هنا) ان يلزمها باحترامه، عصفت هى بالمحاولة، وطاحت فى ممثل قانون الطيران. ثم انتقلت الى مستوى اعلى، من الرغبة فى دهس القانون، لما جاء ضابط شرطة السياحة، فحلت له شعرها، وراحت تخلع ملابسها، قطعة بعد اخرى، فى تعبير رمزى اقوى وافجر، عن انها ما «يهمهاش» لا الضابط ولا دولته . طبعا الذى شاهد المقاطع المصورة ، لم يكن بحاجة الى الاستنتاج، استنتاجً المعنى، والسياق، ولا الهدف، لان فى الحقيقة، الاحداث بالصوت والصورة، والصورة لا تحتاج لشرح، كما ان الصوت لا يحتاج لتفسير انها كانت تتوعد وتتحدى، ليس ضابط الشرطة ولكن اى حد ،وطبعا.. طبعا تحت الشعار الدال «انت مش عارف انا مين»؟ بالنسبة لمعظم الناس ، هى سيدة منفلتة العيار، متجاوزة ، مستقوية على القانون، وبين قوسين (شديدة الفجاجة)، اما الذين استفزهم الوضع اكثر واكثر، فقد راحوا يفتشون ليعرفوا: هى مين، على الاقل ليتفادوا مصير الضابط ! فقد اتوا بعد ساعات، بتفاصيل، وخرج الاسم والعنوان وكمان البطاقة. وتكشفت الخطوط . يهمنى قبل الاستطراد، الاشارة الى اننى، لم ولن اتكلم عن شق اذيع حول مخدرات، تم اكتشاف وجودها فى امتعة السيدة، لان «السينا» كلها على راى بتوع السينما، او المشهد، هو فى تصرف السيدة وبواعثها واستنادها الى صلة «ما»، بواحدة من مؤسسات رجل مال «ما»، وثقتها التى هى بغير حدود، ان ال «ما» هذه ، تفصح لنا هى مين من ناحية، وتمنحها الحق ، فى ان تمسح بالدولة وبنا الارض. نخطئ لو انتزعنا حكاية، سيدة المطار «من سياقها الاوسع»، فهى تصرفت بوحى من تجاربها المعاشة والتى دون شك علمتها، انها بروابطها مع دائرة المال، انما هى فوق الجميع، الناس والقانون والدولة. قراءة المشهد، تحتمل و تحتمل، انثروبولوجيا واجتماعيا واقتصاديا، وايضا سياسيا والمؤكد انها لاتقتصر على مستوى اول، فى القراءة، كما انها وان كانت لم تأت بجديد على ما نعيشه منذ سنوات، لكنها ارجعتنا الى فكرة «الاستقواء المتكامل»، الذى يضحك علينا فى سره، لما يجدنا مثلا نصمم على تطبيق القانون على مستضعف، يعنى، انت لما تستعرض بازاحة اعتداء محدود على رصيف، او على حيز محدود تاركا، الاباطرة، يستقلون بما غنموه، فانت توهم نفسك بهيبة كاذبة، او لما نستجديه، ونتحايل عليه ان يؤدى بعض ما عليه من حقوق ، للبلد، فيفر ويمن علينا بتبرع. الاستقواء لا ينبت وحده، ولا يأتى من فراغ، وكما هناك قابلية للاستقواء، تنمو مجرد ان تجد ظروفا؟ هناك قابلية للاستضعاف يغذيها انعدام الإرادة وغياب البصيرة. لمزيد من مقالات ماجدة الجندى