لا خلاف بين جمهور الفقهاء على أن ما عدا الوجه والكفين من المرأة عورة, بالنسبة لنظر الرجال الأجانب عنها إليها, ولذا يجب عليها ستره, وعدم إبدائه لمن لا يحل له النظر إليه إلا لضرورة أو حاجة تقتضيه, كعلاجها أو خطبتها أو تعليمها أو الشهادة والحكم لها أو عليها, ولا خلاف بين الفقهاء على حرمة نظر الرجل بشهوة أو عند خوف ثورانها إلى أى جزء من بدن المرأة الأجنبية عنه, ولو كان من فوق الثياب لغير حاجة أو ضرورة, لحديث (من نظر إلى محاسن امرأة أجنبية عن شهوة, صب فى عينيه الآنك يوم القيامة), (الآنك: هو الرصاص المذاب, والحديث ذكره الزيلعى فى نصب الراية واستشهد به الفقهاء فى كتبهم على حرمة نظر الرجل إلى المرأة), وإذا حرم على الرجل النظر, وجب على المرأة ستر ما يحرم النظر إليه منها, وقد استدل على حرمة إظهار المرأة مواضع العورة منها, وهى جميع البدن ما عدا وجهها وكفيها وفق مذهب الجمهور, بقول الله تعالي: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها), حيث ورد النهى فى الآية عن إبداء المرأة مواضع الزينة المستترة من بدنها, وهى جميع البدن, عدا الوجه والكفين وفق ما ورد فى كتب التفسير, ونهيها عن إبداء مجرد الزينة, دليل على حرمة إبداء مواضعها من بدنها بالأولي, كما استدل بقول الله تعالي: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب), والآية وإن وردت بوجوب استتار أمهات المؤمنين عن الرجال, إلا أن الفقهاء اتفقوا على أن كل ما ورد من أدب فى حق أمهات المؤمنين, فنساء الأمة تبع لهن فيه, لأن العبرة بعموم لفظ النص, لا بخصوص سببه, ومما يستدل به أيضا: قول الحق سبحانه: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن), (والخمار: ما تغطى به المرأة رأسها, فإذا كان الجيب هو طوق القميص, فإن مقتضى ضرب الخمار على الجيب, أن يلقى عليه من جميع جوانبه, فإن ألقى الخمار على الجيب على هذا النحو, فإنه يغطى كذلك العنق والأذن وثغرة النحر, وقد قيل فى سبب نزول هذه الآية: إن النساء فى الجاهلية كن إذا غطين رءوسهن بالأخمرة سدلنها من خلف ظهورهن, فتبدو أعناقهن وآذانهن وذوائب شعورهن, وكانت جيوبهن واسعة من الأمام, تبدو منها نحورهن وصدورهن, فأمر الشارع النساء المؤمنات بأن يضربن بخمرهن على جيوبهن, ليغطين بها هذه المواضع, فيخالفن بذلك شعار نساء أهل الجاهلية, فهذا يفيد أن النساء المؤمنات قد أمرن بتغطية الرأس والعنق والصدر بهذا الخمار, ومما استدل به على فرضية ستر المرأة عورتها قوله تعالي: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن), إذ تدل الآية على حرمة إظهار الزينة التى تكون بالقدم, فيحرم العضو الذى عليه الزينة بالأولي, ولذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء –فى حديث روته عنه أم سلمة- أن يزدن فى ذيول ثيابهن ذراعا, حتى لا تنكشف أقدامهن عند المسير أو نحوه, كما استدل لذلك بحديث عائشة: “ أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق, فأعرض عنها, وقال:” يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا”, وأشار إلى وجهه وكفه “, (والحديث رواه البيهقى وأبو داود وغيرهما, وإن حكم عليه بأنه مرسل, إلا أن المرسل يحتج به عند جمهور الفقهاء), واستدل لذلك أيضا: بما روى عن عائشة قالت: “ دخلت على ابنة أخى مزينة, فدخل على النبى صلى الله عليه وسلم فأعرض, فقلت: يا رسول الله إنها ابنة أخى وجاريه, فقال: “إذا عركت المرأة لم يجز لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا “، وقبض على ذراع نفسه, فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى أو نحوها”, (عركت: أى حاضت), ويدل لفرضية ستر المرأة عورتها: اتفاق المسلمين على وجوب قيام ولى الأمر بمنع خروج النساء حاسرات عن عوراتهن, سافرات الوجوه, لاسيما عند كثرة الفساد, وأوامر الشارع المجردة عن القرائن تحمل على الفرضية, والفرض يأثم تاركه ويثاب فاعله, كل هذا وغيره مما لا يتسع المقام لذكره يدل على فرضية ستر المرأة ما يعد عورة منها. لمزيد من مقالات د. عبد الفتاح محمود إدريس