لم تنته أو تتوقف المشكلات فى دولتى السودان، بعد إنفصال الجنوب وتمزيق وحدة البلد فى التاسع من يوليو الماضى، لأن إنفصال الجنوب أو إستقلاله لم يكن ببساطة هو الحل السحرى لمشكلات السودان، كما حاولت النخبة السياسية فى الشمال والجنوب إيهام مواطنيها، أو كما حاولت الجهود الدولية فى أطروحاتها لحل الأزمة السودانية، والتى شخصتها خطأ بأنها مشكلة بين الشمال والجنوب، وأن حلها يقتصر فقط على الطرفين اللذين كانا يتحاربان المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية. وبعد الإنفصال انفجرت 3 أنواع من المشكلات، هى مشكلات عويصة داخل دولة السودان الشمالى، ومشكلات أخرى خطيرة داخل دولة السودان الجنوبى، ومشكلات أخطر بين دولتى الشمال والجنوب. وكانت قد حدثت قبل موعد الإنفصال أو إعلان إستقلال الجنوب وبعده تجاوزات كبيرة بين الدولتين، وتطايرت التصريحات الغاضبة بل والمهينة، وأقدم الطرفان على المساس بالعلاقة المصيرية بين شعب واحد تم قسمته على دولتين، وأسست هذه الأفعال والتصريحات لعلاقة عدائية، حاول كل طرف من الطرفين عبرها الضغط على الطرف الآخر بأقصى مايملك من كروت الضغط، ليجبره على تقديم التنازلات فى القضايا التى مازالت عالقة بينهما رغم الإنفصال، فأغلقت الحدود بين الشمال والجنوب، وتم ترحيل البشر، وبدأت حرب العملة، وحروب أخرى أشد فى مناطق الشمال الحدودية فى ولاية جنوب كردفان فى يوليو الماضى لتلحق بها بعد حين حرب أخرى فى ولاية النيل الأزرق، ثم لتبدأ مناوشات بين الدولتين فى مناطق الحدود، فضلا عن تمردات داخل دولة الجنوب تتهم الخرطوم بدعمها، مثلما تتهم دولة الشمال جوبا بدعم التحالف المتمرد ضدها، الذى يعرف بإسم تحالف كاودا أو الجبهة الثورية والذى أصبح يضم الحركات المتمردة فى الشمال جميعا ضده . ومن سىء إلى أسوأ تمضى الأمور بين الدولتين رغم جهود دولية حثيثة لدعم التوصل إلى حلول بينهما عبر الوساطة الأفريقية والمبعوثين الدوليين وغيرها، والتى كان آخرها توقيع الإتفاق الإطارى بين الدولتين فى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا مؤخرا . وستظل كل دولة منهما بحاجة إلى الدولة الأخرى، حيث أن المصالح المشتركة بينهما كبيرة، وتتجلى فى أوضح صورها فى البترول الذى ينتج ثلثاه تقريبا فى الجنوب ويصدر عبر الشمال، وقد واجه هذا الأمر مشكلات كبيرة خلال الأشهر الماضية، ولم يتفق الطرفان بعد على صيغة للحل فى هذا الأمر، وفى أمور أخرى أبرزها ترسيم الحدود، ومنطقة أبيى المتنازع عليها بين الطرفين، وما يزيد الوضع تعقيدا أن النظامين الحاكمين فى الدولتين يعانيان أزمة ثقة عميقة فى بعضهما البعض، وينظر كلاهما للآخر بإعتباره العدو الأول ومصدر الشر المستطير، وذلك رغم العلاقة العميقة التى تربط الشعب السودانى فى الشمال والجنوب، وهناك ملايين من أبنائه لايمكن تقسيمهم كما تم فى الأرض بين عشية وضحاها إلى جنوبى وشمالى ،حيث تمازجت الأعراق والأسر والدماء، إلا أن حشدا وتعبئة وتجييشا داخل الدولتين يتم على هذا الأساس بمستويات مختلفة على الصعيد النفسى ،وعلى الصعيد المادى فحدث ولاحرج فميزانيتا الدولتين اللتين تأثرتا تأثرا بالغا بالإنفصال يوجه جلهما للإنفاق العسكرى فى دولتين كلتاهما مهددة فى عقر دارها، وعلى حدودها مع الجارة الأخرى . وهناك من يراهن على أن كلا الدولتين سئمتا الحرب أولا تقدران عليها ،أو أنهما لايمكن أن تنجرفا إليها بسهولة، ولكن قرار الحرب فى النهاية لن يكون رهنا بقرار القيادة فى الدولتين، وفى ظل أجواء الشحن والإنفعال فى أوساط القواعد الشعبية فى الجانبين يمكن أن تشتعل الحرب مالم يكن هناك إجراءات حقيقية للتهدئة والحل، كما أن بقاء الحال على ماهو عليه فى حالة اللاسلم واللا حرب أو الحرب بالوكالة هو أيضا خيار سىء له عواقب وخيمة على االدولتين. المزيد من مقالات أسماء الحسينى