لا شك أنه حينما تمتزج الأحلام والطموح بالعزيمة والإصرار تكون النتائج معجزات، لكن الحقيقة أن تلك النساء اللاتي أتحدث عنهن لم يقتحمن مجالات شاذة وغريبة علي طبيعتهن وعلي المجتمع الشرقي والذكوري الذي يحيط بهن من باب الطموح بل فقط بحثا عن «لقمة العيش» ولتفادي «مد أيديهن» للسلف من القريب والغريب وإهدار كرامتهن بل اخترن العمل وافتخرن به وتحدين نظرات المجتمع القاسية، فأصبحن اليوم حديث وسائل الإعلام، التي تتهافت علي لقائهن من أجل معرفة تجربتهن، وكيف اقتحمن مجالات كانت قديما حكرا علي الرجال وقلبن الموازين بعدما أثبتن نجاحهن وتفوقهن علي الرجال. «35 ٪» هي نسبة المرأة المعيلة في مصر، من بينهن المطلقة والأرملة والتي لا يعمل زوجها، ومع تدهور الحالة الاقتصادية وضيق الرزق وفي ظل وجود أسرة وأطفال لهم احتياجاتهم وطلباتهم ، تضطر للخروج سعيا للرزق وبحثا عن العمل، وإذا لم تكن لديها مؤهل عالي يمنحها فرصة الحصول علي وظيفة، فقد تلجأ للعمل في مهن أقل منزلة، من بين هؤلاء:
أميرة فضل .. أشهر أسطى مكوجي «أشهر أسطى مكوجي» ..إنه اللقب الذي تستحقه عن جدارة السيدة الستينية أميرة فضل، التي عملت مكوجية لما يقرب من 20 عاما في حي «السيدة زينب»، ذلك الحي الشعبى المعروف بتمسكه بالعادات والتقاليد إلا أنه لم يقف عائقا أمام رغبتها في العمل كمكوجية بعدما توفي زوجها تاركا لها أربعة أطفال، كانت هي العائل الوحيد لهم، وبدلا من اقتراض المال ممن حولها، فضلت أن تستكمل مسيرة زوجها وأن تعمل في محله وأن تتحمل مشقة هذا العمل الذي يتطلب الوقوف وانحناء الظهر لساعات طويلة، تقتحم هذا المجال الذكورى بقلب جامد، بل ونافست أصحاب المحلات المجاورة بتقاضيها أسعارا أقل من المتعارف عليها ليزيد زبائنها، لم يقف المجتمع حولها والجيران عائقا أمامها بل ساندوها وشجعوها علي الاستمرار في عملها فاستطاعت السيدة أميرة أن تربي وتعلم أبناءها الأربعة، ورغم أنهم يستطيعون الآن الاعتماد علي أنفسهم إلا أنها لاتزال تعمل مع رفيقة عمرها «المكواة. أم حسن .. ماسحة أحذية تحلم بالدكتوراه لا شك أنه من الصعب أن يضع رجلا قدمه في وجه امرأة كي تمسح حذاءه، فقد يراه البعض أمرا مهينا للمرآة، لكن في رحلة البحث عن الرزق كل شيء مباح .. تعد «أمال أبو الدهب» الشهيرة ب«أم حسن» خير دليل علي ذلك، التي بعدما ضاق بها الحال وأحاطها هي وأطفالها الخمسة شبح الفقر والجوع، خرجت تطرق أبواب الرزق دون مجيب حتى لجأت لشراء عدة «مسح الأحذية» واتخذت موقعا بالقرب من ميدان رمسيس لتبدأ به عملها، وبالرغم من انتقاد أسرتها لها علي عملها بل وصل الأمر إلي حد مقاطعتهم لها إلا أن عملها هذا كان السبب في شهرتها حيث تهافتت عليها وسائل الإعلام لتعرف قصتها الفريدة، بل إنها حصدت هذا العام لقب «الأم المثالية» بعدما رشحتها وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة غادة والي.
تستحق أم حسن هذا اللقب عن جدارة ليس فقط لأنها نجحت في إدخال أبنائها الخمسة الجامعة ووفرت حياة كريمة لهم علي حساب عملها الشاق، لكن أيضا لطموحها فبعدما حصلت علي دبلوم التجارة أخذتها دوامة الحياة ومشقاتها ولكن رغبت مجددا في إكمال تعليمها حيث التحقت بكلية الخدمة الاجتماعية ولا تسعي فقط للحصول علي البكالوريوس بل ترغب في الحصول علي الماجستير والدكتوراه.
أم ياسمين .. سيدة الميكروباص من أجل معاونة زوجها في تسديد بقية أقساط الميكروباص الذي يمتلكه، ولتوفير المزيد من المال الذي يحتاجه أطفالها الأربعة، دخلت «أم ياسمين»، السيدة التي تبلغ 42 عاما والحاصلة علي بكالوريوس تجارة، إلي عالم سائقي الميكروباصات، ذلك العالم الذي يحتكره الرجال، والتي عانت فيه في البداية من النظرات الجارحة للبعض وسخرية البعض الآخر، لكن كان هناك أيضا من يحترم مجازفتها بالدخول إلي هذا العالم الذكوري والتعرض للعديد من المخاطر فكانوا يتعاملون معها بلطف ويشجعونها علي الإستمرار في العمل.. تساعد أم ياسمين زوجها الذي يعمل موظفا فترة النهار بأن تقود هي الميكروباص حتي يأتي من عمله ليتولي الفترة المسائية، وبالرغم من ذلك إلا أن أم ياسمين تحرص على عدم التقصير تجاه واجباتها المنزلية وإعالة أطفالها.
رانيا .. جزارة الإسكندرية رغم أن مشهد الدم والذبح يعد أمرا غير مستحب لدي أغلبية النساء، إلا أن رانيا رشاد جزارة الإسكندرية اختارت أن تقتحم ذلك المجال وتنافس الرجال، وبالرغم من صعوبته إلا أن حبها للمهنة وشعورها بالتفرد جعلها تستمر به علي مدي أكثر من 5 سنوات.
وتبلغ رانيا من العمر 28 عامًا، وهى متزوجة منذ ما يقرب من 10 سنوات وأم لطفلين، ومع صعوبة الحياة المادية اضطرت منذ 8 سنوات أن تخرج للعمل وبعدما عملت في أماكن عدة، وجدت سعادتها في الجزارة. ويعد عملها الأساسي هو القيام بعملية السلخ وهى التى يتم فيها فصل الجلد عن لحم الشاة ثم تقطيعها، وبالرغم من صعوبة الأمر في بدايته خاصة لكونها إمرأة إلا أنها تدريجيا احترفت المهنة وتمكنت منها، ولا شك أن نظرات من حولها كانت مليئة بالدهشة والتعجب في البداية ولكن الأمر لم يعد كذلك الآن خاصة وأن نساء عدة اقتحمن ذلك المجال بعدها وتفوقن فيه.
لقاء .. فتاة تعشق الميكانيكا كأى فتيات من جيلها كان من المفترض أن تعشق الموضة ووضع الماكياجات والبرفانات إلا أن «لقاء الخولي» تلك الفتاة الصعيدية اختارت أن ترتدي بدله كحلي مهلهلة وأن تتزين بالشحم وتتحمل رائحة البنزين من أجل العمل في ميكانيكا السيارات، ذلك المجال الذي تعشقه منذ الصغر، ومن أجله تحدت العادات والتقاليد وكسرت القيود الإجتماعية التي يفرضها المجتمع الصعيدي بمحافظة الأقصر التي ولدت وترعرعت به، وذلك منذ أن قررت مساعدة والدها وان تعمل معه في ورشته.. شربت المهنة من والدها وأصبح لديها زبائن يأتون إليها خصيصا من كل أنحاء الصعيد لثقتهم في عملها.. كما حصلت علي شهادة الدبلوم الثانوي التجاري إلي جانب عملها مع والدها ، عندما بدأت في العمل معه في الورشة تعرضت للعديد من الانتقادات من قبل أهالي المنطقة، لكن سرعان ما تبدل رأيهم وأصبحوا من زبائنها المستديمين بعدما أصلحت سياراتهم ليروا أنها موهوبة فيما تفعله، ولم تقف لقاء عند حدود الموهبة بل تسعي من خلال البحث لتطوير قدراتها وعلمها بميكانيكا السيارات. رانيا شكوش .. محامية بدرجة نجارة بسبب عشقها لتصميم عرائس الماريونت، اقتحمت الفتاة العشرينية رانيا رفعت الملقبة ب»رانيا شاكوش» عالم النجارة وتفوقت به لتصبح هى أيضا حديث وسائل الإعلام، فبعد رحلة طويلة من الدراسة كانت أخر محطاتها كلية الحقوق التي تخرجت منها وتفوقت بها، عملت رانيا بالمحاماة ولكنها لم تنس يوما عشقها للعرائس وتصميمها لذا ذهبت لورشة نجارة وتعلمت الصنعة وأتقنتها حتى إنها قامت بتصميم مسرح متنقل للعرائس بمشاركة 15 من أصدقائها الذين يشاركونها في عشق العرائس المتحركة، وبالرغم من عدم وجود أي مصدر مادي إلا أنهم يرغبون فقط في مساعدة مجتمعهم علي نشر الثقافة والوعي بين الأطفال وانتقاد بعض المشاكل والقضايا المجتمعية وعرض حلول لها. وتنفق رانيا علي العرائس والمسرح من المبالغ البسيطة التي تتقاضاها من عملها في المحاماة، وها هي الآن تعلم هواة تصميم العرائس كيفية تصميمها وتحريك العرائس وقد فازت بجائزة ستات أوورد لعام 2014 لأكثر سيدة تأثيرا بالإيجاب في مصر من مركز القاهرة للتنمية.