لماذا وصف الأديب العالمى جمال الغيطانى تلك (الحكايات) التى أبدع نصوصها وجمعها- أخيراً- بين دفتى كتاب أصدرته دار نهضة مصر (بالهائمة) ؟! لماذا (حكايات) ولماذا (هائمة)، ولماذا بات عنوان النص (حكايات هائمة)؟ وتوزع نصه بين المسائل والطير والشجر ومراكش. الحكاية هى أن يحكى المرء واقعه أو يتخيل ما ليس له علاقة بالواقع، أو ما هو رمزى أو شعبى..والهيام هو أن يصبح المرء تائهاً متحيراً مضطرباً لا يعرف أين يذهب. وعلى تقديرى لما وصف به الكاتب نفسه فى العنوان فإن من ينظر إلى شقفات الإبداع ولخافها التى نثرها الغيطانى على الصفحات، لن يجد ما ظهر فيها هائماً (إذا قرأناه قطعة بقطعة) يعود ليتجمع فى صور مدهشة وباعثة على إطالة التأمل والتذكير. قدم لنا المؤلف فى حكاياته الهائمة مزجاً بين التجربة الشخصية الشعورية والنفسية، والتدوين التأريخى والصحفى والاستدعاء الرائع للتراث، والوقوف على عتبات الفلسفة، واسترجاعات نصوص كتب، وحكايات عن المعتقل والجيش ومواجهات مع علماء وفقهاء..هو يصف كل شىء حوله كما يصف كل شىء داخله..المكان فى كليفلاند أو شدوان أو الجمالية أو ميونخ، ويكلم- كصوفى- الطير والشجر، ويبحث عن منبع فلسفة بوذا، ويخاطب حتى صمته الذى يحيد فيه بالكلام عن الكلام، ويحدثنا عن شجرة الصمت، وشجرة الرضاعة، وشجرة الغواية، ولكن حين يحدثنا عن الرغبة فإنه يتحدث عن (النخلة). يتخيل نفسه فى لحاء شجرة، ويضع وسط أوراق الكتاب رسمة سريالية لريميه ماجريت يتداخل فيها البنى آدم مع شجرة، ويرفق بنصه مذكرة هنا أو هناك من نصيحة الحبيب النبى إلى من يحث الوحشة لإتخاذ زوج حمام، وذكر الله عند هديله . يدخلنا عالم فرنسا ابنة جارته أم جميل فى الجمالية، ويمزج بين حكايته وذكريات كتبها من قبل فى (ذاكرة التدوين) ودفترها الخامس (نثار المحو)، ويكتب عن الشيخ أحمد الطيب وعبود المهيب وتتجمع كل حكاياته الهائمة لتتوحد صانعة لوحة هى أشبه بقطعة نسيج «سوغناك» المشغولة على أيادى بنات آسيا الوسطي، والتى وضع جمال صورة إحداها على غلاف الكتاب. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع