روج الإعلام الأمريكى ورئيسه (باراك أوباما) أن عدم احتواء الإسلام السياسي، هو سبب الإرهاب الأسود، وتم التهليل للنموذج التونسي، الذى يجمع بين الليبرالية والدين فى السياسة، ثم انفجرت فى وجوهنا عملية وليس حادثة تفجير متحف (باردو)، بتونس، ويدفع الضحايا دائما الثمن الباهظ للفكر المعوج، الذى لا يعلم أن الساكن ماكن! فالقاعدة الفكرية للإرهابيين أنهم سكان لا يعترفون بالوطن، ومن ثم فهم الأقدر على هدمه بعد أن هانت عليهم البلاد والعباد، وكان علينا أن نستفيد من تجربة الأعرابية التى ربت جرو ذئب، فلما كبر قتل شاتها، فقالت: بقرت شويهتى وفجعت قلبي.. وأنت لشاتنا ولد ربيب، غذيت بدرها وربيت فينا،، فمن أنباك أن أن أباك ذيب، إذا كان الطباع طباع سوء.. فلا أدب يفيد ولا أديب! كان علينا أن نستفيد من تجربة الأعرابية لتكشف لنا زيف ما يروجه الأعداء، الذين يعلمون أكثر مما يعلم أكثر الناس رشدا، خطورة خلط الدين بالسياسة، وأن ذلك كفيل بتفجير المجتمعات بالاحتراب الأهلي، بين وجهات النظر المختلفة فى الدين، التى تكفر بعضها بعضا، وقول الأعرابية يلخص ما نحن فيه، فغياب فلسفة عربية إسلامية حديثة، أوصل الثقافة العامة إلى قاع الإنسانية، فلاحقت تهم التكفير من يتورط بالتفكير، فى إرهاب فكرى طبيعى أن يتبعه إرهاب دموي، إن كان مستنكرا فى الغالب الأعم، لكن هناك من يبرره، أو يجمله، وأحيانا يتعاطف معه، وإذا استبعدنا العملاء والمتربحين، فإن نسبة كبيرة من التابعين تستسلم لهذا التطرف، على أنه صحيح الدين، لغياب فلسفة عقلانية حديثة تنقذهم وتنقذ الدين من براثن السطحية والغرور والاندفاع!،لانستطيع أن نغفل أن هناك شريحة من مجتمعاتنا العربية والإسلامية، خاضعة لهوس التطرف والتشدد فى غير موضعه، وهم من مختلف البيئات الاجتماعية، الجاهلة مثلها مثل المتعلمة، والعكس، وربما تكون المتعلمة أشد تطرفا، فالغرور أعمي! وهم قد أخذوا العلوم فى مختلف المجالات آليا، دون فلسفتها، بعد أن حرم زعماؤهم الفكر والفلسفة، كما حرموا نعم الله التى ترقى الإحساس وتهذب النفوس، من الفنون والآداب وأوغلوا فى التصريح بالشهوات الحسية حسب مستوى إدراكهم، غياب فلسفة تحمى المجتمع من الهبوط إلى القاع الإنساني، والاهتمام بالشكليات، على أنها صحيح الدين، يفيد العدو ليستخدم قوته التدميرية الصريحة، فى التخلص من القوى الوطنية الحقيقية التى تقف أمام أطماعه الاستعمارية الإمبراطورية! أعتقد أن الروح الحضارية الفلسفية بالضرورة التى تسرى فى جموع وقاعدةالشعب المصري، هى التى نفرت من تجار الدين، الذين أخرجوه عن فلسفته الحقيقية، فهو دين الرحمة والأخلاق والعقل والفكر والعلم، للتفكر فى آلاء الله فى الكون الفسيح ليوصلنا إلى قمة الإنسانية لا قاعها. الفلسفة ليست إذن كلاما فى كلام، ولكنها تطبيق على أرض الواقع، فى حياة كل فرد يحيا على الأرض، فلا أظن أن هناك من يقبل أن يعيش كالهوام والبهائم، لا يعلم الأسس الكامنة فى أفكاره ومعتقداته وسلوكه وأحكامه، لذا يخشى المغرورون الجدل العلمى الفلسفي، الذى يفضح ما تنطوى عليه أفكارهم من أوهام موروثة استقروا عليها، وليس روح الدين، من الأفكار التى عششت فى أذهانهم من الدجالين أصحاب السطوة الراسبوتينية! من سوغوا قاعدة شهوة الموت، لتهوى بالجميع إلى قاع الإنسانية! قد نفهم رفض الفلسفة من دهاقنة التجارة بالدين، حتى لا نفسد عليهم بضاعتهم للوصول للسلطة أو السطوة أو كلاهما معا، لكن الأتباع لماذا يقبلون على أنفسهم أن يتعاملوا مع المعرفة بالكم وبالكيلو، يستطيعون تقسيمها، فيأخذون العلم ويتركون فلسفته، ويرضون بشكل الأخلاق لا جوهرها، وقشور الدين لا مضمونه، فنصف كيلو من فلسفة المعرفة كفيل أن يهبط بهم من قمة الإنسانية إلى قاعها، فالمعرفة متكاملة، وليست مطلقة، ففى عالم البشر لا توجد مطلقات، فالمعارف كلها اجتهادات، للوصول للحقيقة الوحيدة فى الحياة وهى الوجود الإلهى المطلق،ولم تكن الصوفية وعلماؤها إلا فلسفة ومجتهدين، اصطدموا بقمع النقليين، الذين يحملون أسفارا لا يفقهون جواهرها الفلسفية، لذا فمن السهل عليهم أن يصموا الفلسفة بالكفر، والحرية بقلة الأدب، والفن بالفجور، والسياسة بالكذب، والاقتصاد بالربا، والمرأة بالعورة وغير ذلك من القشور التى لا تفهم الكوامن والمضمر من أمور حياتنا، فقد آن الأوان لتقديم رؤية مستقبلية للنظر للأمام، والانتفاع من وحدة المعرفة والانفتاح على الآخر، دون روع ورعب من تقويض الفاسد من الأفكار الدموية ما لم تفحص وترد إلى أصولها، وقد نفعنا ابن عربى بجوهر فلسفته التى قال عنها: قد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي.. إذا لم يكن دينه إلى دينى داني، قد صار قلبى قابلاً كل صورة.. فمرعى لغزلان وديرٌ لرهبان، وبيتٌ لأوثان وكعب طائف.. وألواح توراة ومصحف وقرآن، أدين بدين الحب إن توجهت ركائبه فالحب دينى وإيماني، فأعتقد أنها الفطرة التى تكشفها الفلسفة ليعيش الناس جميعا سعداء فى عالم لا يرحم الضعفاء.. ضعاف الفلسفة. وللحديث بقية لمزيد من مقالات وفاء محمود