كلما تقدمت الأمم والشعوب وانتشر العلم ونضج العقل والفكر تراجعت من حياتها الخرافة، وحين ينتشر الجهل والبطالة والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتجلى الخرافة فى أعظم صورها، ويجد الدجالون والمشعوذون ضالتهم فى هؤلاء الباحثين عن بارقة أمل للخروج من أزماتهم الاجتماعية والنفسية. وانتشرت الخرافات وأصبح الدجل مهنة وبأشكال مختلفة ويمارسها الكثيرون أمام الملأ. فهذا شاب بالإسكندرية قتله شقيقه الذى يعانى مرضا نفسيا، بأن قام بطعنه بسكين فى صدره، بعد أن انتابته حالة من الهياج، فى أثناء تلاوة القرآن عليه، فى محاوله لعلاجه من «مس» الجن، وآخر كان يعالج امرأة مريضة فاعتدى عليها بحجة إخراج الجان من أجسادها، وبرغم هذا يلجأ كثير من الناس إليهم طالبين علاجهم، فبعض المعالجين يضربون المريض حتى يخرج الجن من جسدها أو يموتون دون أن يخرج. ولم تعد حالات الدجل والشعوذة وقفا على أحد، بل أصبحت هناك مراكز ودور تمارس تلك الأفعال علنا أمام الناس ومعروفة للجميع فى عدد من المحافظات وعرف الدجالون طريقهم إلى الفضائيات وبرامج «التوك شو» التى تروج لكثير من حالات تدعى تلبس الجن للإنسان أو زواج الجن من الإنس، وتعتقد بقدرة الجن على التحكم بالبشر. علماء الدين يؤكدون أن ضعف دور الأسرة، وغياب المؤسسات الدينية والإعلامية فى تعميق مفهوم الإيمان، من خلال الممارسات والسلوكيات المجتمعية القومية، هو سبب الأزمة، وان الجن لايترك نساء جنسه ليتخذ من الإنس زوجات. ويقول الدكتور جمال الدين حسين عفيفى، رئيس قسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين، إن القرآن الكريم أنزله الله هدى ونورا وشفاء لما فى الصدور، ولكن يجب علينا أن نحذر من النصب والاستغلال الذى يتنافى مع معنى القرآن الكريم وعظمته، فلايصح أن نجعله وسيلة للتربح من ورائها، وعلامة هؤلاء وتصرفاتهم لا تدل على تمسكهم بالقرآن بل تدل على فسقهم وانحرافهم عن الطريق المستقيم، كما أن من الأمور التى ننبه إليها أن العلاج بالقرآن قد ورد فى السنة الصحيحة، وأن النبى، صلى الله عليه وسلم كان يعالج أصحابه بقراءة الفاتحة على المواضع التى يتألمون منها وكان الله سبحانه وتعالى يمن عليهم بالشفاء، ويقول بعض الناس إن هذه خاصية من خصائص الرسول، ولكن نعلم أن القرآن بركة ونور وكتاب أنزله الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ويشفى صدورهم من الغل والحقد وغيرها من الأمراض النفسية. علاج القرآن أصله صحيح ويوضح الدكتور أحمد حسين وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر، ان عالم الجن هو عالم مستقل، متفرد فى خلقه وإيجاده ومهمته وغايته، فمادة خلقه تختلف عن خلق الإنسان فهو مخلوق من النار، والإنسان مخلوق من الطين، ومهمتهما هى عبادة الله عز وجل، كما قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وللجن من الخصائص والمميزات ما لم يعط الإنسان، فهو يرى الإنسان من حيث لا يراه الإنسان، والجن منه المؤمن ومنه الكافر، ومنه الطائع ومنه العاصي، فكافر الجن هو الشيطان، ومهمته الوسوسة للإنسان وإغراؤه وإغواؤه لاسلطان له على الإنسان، فعالم الجن مستقل ولا يتدخل فى شأن البشر إلا بشيء واحد، الوسوسة والإغراء والغواية والإضلال، وقال الله تعالى على لسان إبليس: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين)، وأيضا (وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ولوموا أنفسكم)، ومن هنا نقول إن الشيطان والجن لا دخل له بحياة الإنسان، فلا يدخل بدنه دخولا مباشرا، ومن هنا ما يقوم به بعض الدجالين والمرتزقة من الزعم أن الشيطان دخل فى بدن الإنسان لا دليل عليه من الكتاب والسٌنة. وأضاف: ان القرآن بالفعل علاج نفسى وعضوى لكثير من الأمراض، ولكن ليس بالصورة التى يستعملها الدجالون. طعام الجن ويؤكد الدكتور رمضان عبدالعزيز عطا الله أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين فى جامعة الأزهر، أن العلماء ذكروا أن الوقاية من مس الجن وما قد يسبب من صرع للإنسان يكون بالمحافظة على الصلاة والالتزام بأمور الشرع، والمحافظة على الأذكار القرآنية والنبوية، هذا بالإضافة إلى الاستعاذة قبل دخول الخلاء بدورات المياه»، وذلك لأن المقابر وأماكن النجاسات كالحمامات والمقابر تأوى إليها الشياطين، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل أن يدخل الخلاء: (اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث) وأن يتعوذ المسلم بقراءة والمعوذتين وآية الكرسي، وأن يكثر من الدعاء، وأن يقوم بتعويذ الصبيان، فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعوذ الحسن والحسين قائلا : (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، ويقول إن أباكما - يعنى إبراهيم عليه السلام- كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق). استحالة الزواج وحول حقيقة سكنى الجن جسد الإنسان والزواج بينهما، يقول الدكتور عبدالفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، انه لايوجد تزاوج بين الإنس والجن وذلك لاختلاف الطبيعة واختلاف الخلق لأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من طين وهذا أصله ثم تناسلت من هذا الأصل ذرية كما ذكر القرآن الكريم، أما الجن فإنهم خلقوا من مارج من نار ولا يتصور أن يتحقق تزاوج بين نوعين من الخلق مختلفين فى أصل الخلق والتكوين ونحو ذلك، وتلك خزعبلات وخرافات يحلو للبعض أن يعيش فيها لا أساس لها من الصحة، وكذلك الحال ما يدعيه البعض من أن الجن يتلبس بنى آدم فهذا الكلام أيضا من الخرافات التى لا يمل كثير من الناس ادعاءها والتكسب بها كوسيلة من وسائل الدجل والنصب على البسطاء، والذى يدخل فى هذا المجال ينتهى به الحال إلى الكفر بالله تعالى، ومعظم من يدخلون هذا المجال ينتهى بهم الحال الى الوفاة بسبب ما يمارسه عليهم الدجالون من أعمال العنف بحجة إخراج الشياطين من أجسامهم.