ملامح يكتبها أبوالعباس محمد: قبل عام وثلاثة أشهر, تحديدا في الأسبوع الأول من أكتوبر عام2010 كنا نستعد لإصدار العدد الأول من ملحق الصعيد بجريدة الأهرام, وقتها وقبل الصدور باسبوع تقريبا. كانت حكاية الطفل نظير جيد روفائيل المعروف باسم البابا شنودة الثالث, وقصة نشأته وميلاده في قريته سلام والتي تتبع مركز أسيوط وفقا للتقسيم الإداري ولابراشية منفلوط وفقا للتقسيم الكنسي, واحدة من أعظم الأسرار والكنوز الصحفية التي كانت بحوذتنا. يومها أذكر كيف قضيت الليل بحاله أتحدث مع الشاب الصحفي النابه هيثم علي, وهو يحكي لي هذه الأسرار المثيرة. فطفولة البابا وقصة مولده تستحق أن تكون وساما علي صدر العدد الأول لملحقنا, وقد كان أن انطلق الزميل يومها دون كلل ولا ملل, وراح ينقب بحثا عن أول كنز صحفي أنفردنا به, وكان يستحق. ولأن المفاجآت لا تحب المقدمات.. خرج ملحقنا في الثلاثاء الثاني من شهر أكتوبر19 أكتوبر2010 يحمل تفاصيل هذه الحكاية. قلنا وبلا مقدمات إن الطفل نظير جيد روفائيل المعروف الآن باسم البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ماتت أمه السيدة بلسم المعروفة بورعها وتقواها بعد مولده بثلاثة أيام, فأرضعته سيدات القرية المسلمات وخاصة الحاجة زينب سيد درويش ليصبح أخا في الرضاعة لابنها زهري حمدان الذي وصف البابا بأنه كان طفلا انطوائيا يشعر بالغربة, ولا يحب اللعب مع الأطفال, متعته أكل العيش بالبلح الأخضر. البابا شنودة اسمه الحقيقي المدون في شهادة الميلاد, نظير جيد روفائيل, وولد لأب ثري اشتغل بالتجارة, وكان يمتلك مساحات هائلة من الأراضي, وأصبح شيخ ناحية( سلام), وكان ذلك في أوائل الثلاثبنيات وأهم تجارة عرف بها هي تجارة الأقطان, حيث كان يشتري كل المحصول من أهالي القرية ويبيعه للحكومة والشركات, وفي سنة من السنوات اشتري القطن بسعر كبير من الأهالي إلا أن الحكومة عرضت شراءه بسعر منخفض, مما جعله يخسر خسائر فادحة ويقوم البنك بالحجز علي أرضه وبيعها في مزاد علني ويترك( سلام) متجها الي مدينة أسيوط وكان جيد والد البابا شنودة متزوجا من سيدة تسمي( بلسم), وكانت من عائلة معروفة وكبيرة من مركز مجاور له من الناحية الشرقية تسمي أبنوب ماتت بلسم بعد أن أنجبت البابا شنودة بثلاثة أيام بحمي النفاس فأخذه أخوه الأكبر روفائيل, وكان وقتها مدرس لغة انجليزية وتعهد بتربيته, وكان له أخ آخر شقيق هو المتنيح أبونا بطرس جيد روفائيل راعي كنيسة العذراء بالزيتون, وإبنه حاليا أيضا راعي الكنيسة. وبعدما تزوج والده مرة ثانية أنجب من الثانية ولدين وبنت, ولكنهم لا يظهرون في صحف أو وسائل إعلام مطلقا ورافضين هذا المبدأ تماما ويعيشون الآن في أسيوط, ويكمل كامل انان مؤرخ حياة البابا. عندما وصل الي السن القانونية لدخول المدارس فوجئ أخوه بأن البابا ليس له شهادة ميلاد, مما دعاه الي العودة الي سلام لتسنينه واستخراج شهادة ميلاد وعندما وقف أمام الدكتور قال الطفل الصغير نظير جيد روفائيل يا دكتور اكتبني بسني الحقيقي فأنا ولدت قبل وفاة أمي بثلاثة أيام, وبذلك فتاريخ ميلاد البابا شنودة وهو3 أغسطس1923 م صحيح, وبقي البابا شنودة وقتا ليس طويلا في القرية حيث زار منزلهم الصغير الذي تركوه ومن بعدها سافر البابا شنودة, حيث شق طريق حياته ودراسته ومواقفه الدينية, ولم يأت الي أسيوط الا مرة واحدة وكان ذلك في افتتاح كنيسة الملاك في أسيوط. وحول حقيقة رضاعة البابا من بعض المسلمات أكد نان أن هذا حدث بالفعل, لأنه كان طفل, في أيامه الأولي وقت موت والدته فكان لزاما أن يرضع هذا الصغير ولكن من القصص المؤكدة والتي هي من أصدق القصص هي رضاعة سيدة له تسمي أم زهري حمدان وهي من أكثر المرضعات التي يؤكد الجميع ارضاعها له وعن هذه السيدة ضحك نان وقال إنها توفيت منذ وقت كبير ولكن مازال ابنها( زهري حمدان) علي قيد الحياة. زهري حمدان المسلم هو أخو البابا شنودة في الرضاعة, وما أن تسأله عن البابا شنودة حتي يتملكه الفرح, وتجده يهلل قائلا:( ايه أخباره هو بعتكم تسألوا عليا ده حبيبي ربنا سهله وفتح عليه). ابدا وبرغم السن المتقدمة به لا ينسي ما قالته امه الحاجة( زينب سيد درويش) عن قصة ارضاعها للطفل نظير جيد, وكيف انها كانت ترضعهما سويا زهري ونظير, ولا ينسي زهري أجمل الذكريات وحكاياته عن طفولته المشتركة مع أخوه في الرضاعة, وكيف كان يميل الي العزلة ودائما كان يجده يجلس علي عتبة المنزل ويمسك ببعض الخبز والبلح الأخضر, حيث كان يحب أكل العيش بالبلح الأخضر. أما المتأمل لقرية البابا شنودة يجدها من القري التي غابت عن اهتمام المسئولين لدرجة أنك لا تصدق ان القرية مسقط رأس أهم شخصية دينية في مصر فالطرقات غير ممهدة ولا يوجد بها إلا وحدة صحية ولا يوجد بها وحدة إطفاء, ويوجد بها مدرسة ابتدائية متهالكة لا يتغير فيها إلا لون الواجهة من الخارج سنويا, والعديد من المشاكل التي توجد في قري مصر. الآن وبعد رحيل البابا تعيش هذه القرية حالة من الحزن الشديد, ومنزله الذي يقبع في نهاية شارع ضيق تشعر بحزنه الأشد علي فراقه. النساء المسلمات قبل المسيحيات ذهبن الي منزل طفولته, وفي عيونهن الدموع يبكين ويصرخن حسرة علي فقدان الأب والحبيب, والراعي, بل تستطيع ان تقول بأن القرية بأسرها تحولت الي سرادق للتعزية.