كان لمحافظة دمياط نصيب من شرف التضحية من أجل الوطن، وتقديم زهرات شبابها في موكب الشهداء الذين سطروا ومازالوا يسطرون أنصع الصفحات لحماية مصر وحضارتها وشعبها العريق ضد خفافيش الظلام، وأعداء الحياة الذين يحملون في أعماقهم قلوبا سوداء فقدت كل معاني الإنسانية. والذين راحوا يهدمون بنيان الله الذي شرفه وأكرمه، وجعل دمه عنده أعظم حرمة من حرمة الكعبة، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف، هؤلاء الخونة الذين استباحوا الدماء الطاهرة البريئة بعد أن باعوا ضمائرهم وعقولهم للشيطان. استقبلت محافظة دمياط شهيدها "علي محمد علي 21 سنة" بالزهور والافتخار رافعين أكف الضراعة إلى الله أن يحمي الوطن ومباركين لشهيدهم المنزلة العليا عند الله تعالى والحياة الأبدية في جنة الخلد والنعيم بإذن الله. الشهيد مجند علي محمد علي الذي قدم روحه فداء للوطن في حادث تفجير قسم ثالث العريش بسيناء إنسان بسيط نشأ في قرية الكاشف الجديد بمركز الزرقا كملايين المصرين البسطاء الذين يحملون في دمائهم قيم حضارة امتدت لأكثر من سبعة آلاف عام كان يعمل في مجال البناء عاملا بمهنة "المبلط" حيث التحق مع بعض زملائه في مهنة عمال البناء حتى يقوم بمساعدة أبيه المزارع البسيط من أجل رعاية أسرته، والمساهمة في تأثيث جهاز شقيقاته الخمسة، كان يصحو في الفجر يؤدي الصلاة في مسجد القرية، ثم ينطلق إلى عمله مقبلا على الحياة مشاركا في إعمار الأرض رسالة الله إلى الإنسان، وواصل رحلة كفاحه لتغطية نفقات شقيقاته الخمس، وسافر قبل دخوله الخدمة العسكرية إلى ليبيا للعمل مع بعض زملائه في مهنة البناء، واستطاع أن يدخر مبلغا ساهم في إتمام زواج شقيقاته، ثم لبى نداء الوطن، وأداء ضريبة الوطنية والتحق بالقوات المسلحة ليواصل العطاء لمصر، والدفاع عن ترابها الغالي، واندمج مع جنود القوات المسلحة البواسل في حياة ترفرف عليها رايات الشرف والكرامة، ثم التحق بسلاح الأمن المركزي بسيناء لينال جائزة إدخرها له الله ألا وهى الشهادة في سبيل الله، وفى سبيل الوطن الغالي لتكون أعظم وأرقى وأنبل نهاية تتوج رحلة كفاح ذلك. المصري البسيط المخلص لأسرته ودينه ووطنه. وفى مشهد جنائزي مهيب وبحضور اللواء فايز شلتوت سكرتير عام المحافظة والذي أنابه د.إسماعيل عبد الحميد محافظ دمياط لحضور الجنازة بدلا منه، ودع أهالي قرية الكاشف الجديد مع الآلاف من أبناء المدن والقرى المجاورة شهيد الواجب رافعين صوره مع أعلام مصر منددين بالإرهاب الأسود الذي يغتال زهرة شباب مصر، مؤكدين أنه سيزول ولن يصح إلا الصحيح وستبقى مصر مرفوعة الرأس صانعة للحياة وحامية للدين والقيم والأخلاق. يقول "عبده الغريب ابن خال الشهيد" إن شهيد الأسرة ترتيبه السابع وسط إخواته الثمانية (شقيقان وخمس شقيقات منهم شقيقته التوأم) وقد ترك مدرسته في المرحلة الابتدائية لكي يعمل في مهنة عامل البناء (المبلط) حتى يساعد والدة المزارع البسيط لمواجهة مصاريف الحياة الصعبة، وأيضا ليسهم في تحمل نفقات زواج شقيقاته، وسافر في رحلة عمل إلى ليبيا وعاد قبل التحاقه بالقوات المسلحة، وكان دائما يؤكد أن فترة تجنيده هي أفضل الأيام في حياته، وأنه "بيحب الخدمة في القوات المسلحة جدا" وكان ينتظر فترة انتهاء الخدمة العسكرية بعد حوالي عام ونصف لكي يعلن خطوبته، ولكن القدر لم يمهله لكي يرتبط بمن أحبها، ونحن لا نطالب إلا بالقصاص العادل من هؤلاء الذين حرمونا من فلذة كبدنا.