أي أزمة أو مشكلة تحمل فرصة أو بؤسا.. منحة أو محنة.. أملا أو ألما.. لكن دهاقنة الاستغلال، وأباطرة النهب، ومصاصي الدماء، وتجار الحروب، يلجأون إلى خداع الجماهير، واستغلال الكوارث، فيجعلون منها صناعة جديدة، ومشاريع هادفة للربح، وجسورا إلى رأسمالية الاستغلال، ووحشية السوق الحرة، التي تستعبد الشعوب، وتسترق البشر، فيزيد الأغنياء ثراء، والفقراء فقرا. ولم يعد "خداع الشعوب" مجرد "ألاعيب حكومات"، وإنما "صناعة ثقيلة "يتم التخطيط لها بعناية، في دوائر صنع القرار العالمية، وأجهزة المخابرات الدولية، بهدف احتلال الدول، واستنزاف الثروات، وإخضاع الشعوب، باستخدام "قوة الخداع" الناعمة، وسلاح المؤامرات الخفية، بدون تكبد أموال وجهود، أو خوض معارك وحروب. ويعتمد هذا الخداع على السرية الكاملة، والإخفاء التام، سواء للنيات، أو التحركات، بحيث يتم شغل الشعب بأمر هامشي عن قضايا حياته الأساسية، وهي: الحرية والعدل والكرامة، عبر تغييب وعيه بعمليات نفسية، وحملات إعلامية، وتوجيهات فكرية، تستهدف إلهاءه. وهذا الخداع قد يصلح أو يجوز لرجل المخابرات، لكنه لا يصلح، بالتأكيد، لرجل السياسة، لأنه مُطالب بالوضوح، والصراحة، والصدق، والأمانة، كي يكتسب مشروعيته، ويحكم بالإنصاف. وتلجأ السلطات "الخادعة" إلى إدعاء التوافق مع الشعب، وأنها تعبر عن إرادته، وتتحدث باسمه، في حين تصم معارضيها بمعاداة الشعب، وخيانة الوطن. ويعمل المخادعون بوصية ميكافيللي: "أَوقِع الأضرارَ كلها مرة واحدة"، لفرض تغيير شامل ودائم على المجتمع، خاصة بعد تعرضه لجائحة أو أزمة، مع عدم السماح للجماهير بالعودة إلى ما قبل الجائحة أو الأزمة، التي هي -على مساوئها- أفضل من الواقع الجديد. الكندية "ناعومي كلاين" تتبعت في كتابها "عقيدة الصدمة"، كيف يمكن انتصار اقتصاد السوق الحرة بطريقة ديمقراطية، إذ يقوم مذهب "رأسمالية الكوارث" على استغلال كارثة ما، سواء كانت انتفاضة شعبية أو هجوما إرهابيا أو انهيارا للسوق، أو حربا، أو إعصارا.. إلخ، من أجل تمرير سياسات اقتصادية، واجتماعية، يرفضها السكان في الحالة الطبيعية، لصالح زواج الاستبداد بالفساد، والسلطة بالثروة. "عقيدة الصدمة" -إذن- أسلوب عالمي دارج، تستخدمه السلطات الانتهازية، ضد التعليم والصحة والتشغيل، وغيرها من المنافع العامة، التي يملكها الشعب، أو يتطلع إليها، لوضعه في حالة الصدمة، بحيث يعاني بعدها من الرهبة، وبالتالي: يصبح أفراده غير قادرين على التفاعل مع الفقد الوحشي لحقوقهم، والانتقاص الظالم لحرياتهم، الذي يتعرضون له، في ظل السلطة الجديدة. وبرغم قابلية للناس للخداع، فيما يتعلق بأبسط حقوقهم.. فإن السؤال يبقى: كيف يمكن وقف هذا "الخداع" الشرير، واسترداد "وعي" الأمم، وتمكينها من "حق السيادة" على نفسها؟ [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد