توصَّل شياطين الخداع إلى أن نصف الحرب يحسمها الإعلام، فإذا تحققت الغلبة الإعلامية، وحلت الهزيمة النفسية بالخصم.. يكون "النصر". وفي معظم أجهزة المخابرات العالمية تكون هناك إدارات مختصة للخداع الاستراتيجي، عبر إمداد الصحفيين بمعلومات وأخبار مغلوطة، في محاولة للتأثير على الرأي العام. كما تلجأ إلى استعمال إعلامييين وصحفيين وكتبة مقالات، تضعهم على قوائم رواتب منتظمة، فيدبجون المقالات، ويبثون المواد الدعائية، التي تخدر أفراد الشعب، خدمة لمخططاتها. وتنتهج وسائل الإعلام استراتيجيات للخداع، تتضمن وضع الناس في حالة دائمة من الفزع، وهي حالة كفيلة بتمرير أي فكرة، حتى لو كانت غير منطقية، عبر تكرارها بشكل منتظم. فعندما نكون مشتتين نفسيا، أو موضوعين تحت ضغوط كبيرة، على إثر أزمات أو جوائح اجتماعية، يمكن إنتاج قماشة من اللاوعي، تشكل أساسا لإعادة تشكيل المجتمع، والدولة. ولنشر فكرة، يخرج أحدههم قائلا إنه يرفضها، مع أنها غير مطروحة، ثم يبدأ في شرح لماذا يرفضها، ثم يأتي ثان فيقول إنه يعارض الفكرة أيضا، ويعدد أسبابا أخرى لمعارضته، لكن يأتي ثالث، فيقول إنه يؤيدها، موردا أسبابا أقوى، وهكذا يتم تسريب الفكرة، فتتحول إلى مادة رئيسة في البرامج الحوارية، وتكتسب أرضية جديدة، وتوجه الرأي العام -بشكل خادع- باتجاه قبولها. ويلجأ الإعلام "المخادع" إلى شن حرب "الصورة المنطبعة"، وقد رأينا كيف اعتمدت الإدارة الأمريكية على شركات علاقات عامة، روجت جزءا كبيرا من السياسة الأمريكية في حربي أفغانستان، والعراق، وفي الحرب على الإرهاب.. إلخ. كما استخدم موظفو "البيت الأبيض" التكرار المتواصل لنشر انطباع خاطيء بأن العراق يقف خلف هجمات 11 سبتمبر 2001، عبر امتلاكه "أسلحة الدمار الشامل"، وبدأ حبك خيوط الخدعة، انطلاقا من تقارير "السي أي إيه"، و"الإف بي آي"، بحيث أوهمتا الشعب الأمريكي بصحة المعلومات التي تؤكد وجود هذه الأسلحة بحوزة العراق، محذرة من مخاطرها. وفي إطار "حرب الصورة المصطنعة"، ذكر كتاب "أسلحة الخداع الشامل"، أنه عند دخول القوات الأمريكية وحلفائها إلى الكويت، بعد هزيمة الجيش العراقي عام 1991 ، قُوبلت بكويتيين، يرفعون الأعلام الأمريكية ، بينما لم يعرف أحد أن شركة "راندوم للعلاقات العامة"، المتعاقدة مع الإدارة الأمريكية، هي التي وزعت تلك الأعلام، لإضفاء جو احتفالي على المشهد. صورة أخرى تم اصطناعها أيضا، هي صورة إسقاط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد عام 2003، إذ قام حشد عراقي بإسقاط التمثال، وكان هؤلاء أشخاصا جاءوا مع أحمد جلبي زعيم المؤتمر الوطني من الولاياتالمتحدة، عبر ترتيب "راندوم" للمشهد! وفي الوقت المعاصر، أدت "فيديوهات الذبح الداعشية"، دورا خطيرا في تقديم صورة شائهة عن الإسلام، وتصدير فكرة سلبية فحواها أن العالم الإسلامي تسوده الفوضى، والقتل، والتدمير. الخلاصة هي أن الإعلام يؤدي دورا كبيرا في صنع الأحداث، وتحقيق الأهداف، عبر أساليب غير نظيفة، من الخداع الناعم، الذي يجب أن ننتبه إليه، ونكشفه، حمايةً للبشرية من التضليل، وغسل الأدمغة، ونشر الفساد، والاستبداد.