قليلة هي الدراسات والبحوث التي أُجريت في مجال "الجريمة الإعلامية"، والمسئولية الجنائية المترتبة عليها، برغم أهميتها، على مستوى المهنة، والرأي العام، وكيان الدولة، ولعل من أبرز صورها: العدوان علي حُرمة المعتقدات، والأفكار، والحياه الخاصة، ونشر الأخبار الكاذبة، وارتكاب جرائم القذف والسب والإهانة.. إلخ. وتنشأ "الجريمة الإعلامية" عندما لا يتم التقيد بالضوابط القانونية، ولا الإعلامية، وتنشأ ممارسات تم النص على العقاب عليها، في القوانين والمواثيق الصحفية، إذ "لا جريمة، ولا عقوبة إلا بنص". ومن أخطر الجرائم الشائعة في الإعلام العربي "التضليل"، ويعني -في اللغة- إخفاء الحقيقة.. وفي الممارسة المهنية: صرف انتباه المواطنين عن عنصر الحقيقة في موضوع معين، وتعمد إخفائها عنه. ويُخرج "التضليل" الإعلام من كونه "إعلاما" إلى كونه "دعاية سوداء"، قد تتكاثر بطريقة سرية، وتقف وراءها أجهزة مخابرات، مستندة إلى شائعات مجهولة المصدر، وتتداخل مع الحرب النفسية، إذ يتم بمقتضاها إعلان أمور معينة، على نحو يخرجها عن حقيقتها، ويوقع الجمهور في الخداع، والتلبيس. وتعتمد "الدعاية السوداء" على السخرية، والنكتة، والتكرار، واستخدام أساليب التضخيم والتعتيم، واختلاق الأكاذيب.. مما يتسبب في اضطرابات نفسية وذهنية لدى الجمهور المُستهدف، ونشوء تغيير سريع في سلوك الأفراد، والجماعات. يقول الدكتور عادل عامر -في بحثه بعنوان: "الجرائم الإعلامية وكيفية التصدي لها"-: "إن تعريفات الفقهاء لجرائم الإعلام تعددت، فذهب جانب إلى أنها جرائم ذهنية تتمثل في الإعلان عن فكرة أو رأي بسوء قصد. وذهب أخر إلى أنها جرائم القانون العام التي تتمثل في الإعلان عن فكرة أو رأي تجاوز حدوده، وتكون وسائل الإعلام بمثابة أداة استعملت في ارتكابها" . وفي مجملها.. تمثل "جرائم الإعلام" مخالفة لأحكام قانون العقوبات. وتقوم -كغيرها من جرائم القانون العام- على ثلاثة أركان هي: الركن الشرعي، والمادي، والمعنوي، ويميزها عن غيرها من جرائم القانون العام عنصرا: العلانية، والقصد الجنائي. ولكي ينأي الصحفي بنفسه عن العقوبات الواردة في القوانين، يجب عليه أن يستهدف الصالح العام، وأن تكون لدية مستندات دالة على ما ينشره، وأن يراعي الأخلاق والآداب العامة ، وألا ينشر أخبارا تثير الفتن، أو الصراعات الداخلية، وأن يتجنب التشهير، وسب الأشخاص، وتشويه سمعتهم، وألا يتعرض للمتهمين الذين لم تثبت إدانتهم. وكذلك يجب أن يكون المنشور صحيحا، وأن يكون عرضه موضوعيا، مع توافر حسن النية، باعتبار أن المصلحة العامة تعلو دائما المصالح الذاتية. ويُعد سوء القصد لب جرائم النشر لأنها -في مجموعها- صورة لتجاوز حق الإعراب عن الفكر.. فإن توصل الإعلامي إلى نفي سوء القصد عما كتب يكون قد نجح في "هدم الاتهام". ولكي يقبل القضاء الشكوي من "الجريمة الإعلامية" لابد أن يتم تقديمها ممن يملك الحق في الشكوى، وأن يتم تحديد شخص المقذوف فيها، وأن يتوافر ركن الإسناد في جريمتي السب والقذف، وألا يكون "القذف" استخداما لحق "نقد الموظف العام، ومن في حكمه". [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد