ما صلة الحبر بالدم، والإعلام بالإرهاب؟ وكيف نمنع تحول الأول إلى "أوكسجين" للثاني، يتسبب في زيادة رقعته، أو يسهم في نشر ثقافته، على حساب ما يجب العمل الإعلامي له، من إشاعة الود والحب والاحترام بين أبناء المجتمع؟إن الدولة العبرية تنفق ملايين الدولارات سنويا في التعمية على أعمالها الإرهابية، والترويج الدعائي لاحتلالها للأراضي العربية. وقبل حربها على العراق وأفغانستان، شنت الإدارة الأمريكية حملة دعائية لتهيئة الرأي العام الأمريكي لتبرير الحرب، عبر ماكينة إعلام نجحت في ترويع الشعب الأمريكي، وبث الخوف في نفسه، بالحديث الدائم عن إرهاب متوقع في أي لحظة.
وفي حملتها الإعلامية، استندت الإدارة الأمريكية إلى إشعار الأمريكيين دوما بأنهم معرضون للخطر، وتحذيرهم من أن أمنهم مهدد دومًا، متبعًة استراتيجية الخداع الإعلامي، عبر تعميم تقارير تليفازية، ومعلومات مغلوطة، وصور متحيزة، انطلاقًا من مقولة الأكاديمي الأمريكي دينيس جيت: "عندما يشعر الناس بالخطر يعجزون عن التفكير، ويمنحون السلطة للشخص المستعد لتوفير الأمان لهم"!
في الوقت نفسه، لا تتورع أجهزة إعلام غربية عن إطلاق وصف الإرهاب والإرهابيين على منظمات التحرر الوطنى، والمناضلين الذين يسعون لتحرير بلادهم، من نير الاحتلال.
محليا، لا يصح تكرار تجربة الإعلام المصري في الستينيات، من حيث توظيفه في الدعاية ضد الخصم السياسي، بإطلاق أوصاف الإرهاب عليه، والتخويف من أفكاره، وفق منطق الإدانة الجنائية، على نحو معمم، دونما معالجات رصينة: سياسية، وإعلامية، وثقافية.. إلخ.
كما أن جزءا من مشكلة الإعلام المصري حاليا هي أنه يتعامل مع الإرهاب بشكل موسمي، مما يجعل التغطيات عشوائية، والمعلومات متضاربة، والتركيز على الحدث بشكل منعزل عن أسبابه السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية.. إلخ.
وفي محاولة لجلب التعاطف مع الحرب الرسمية على الإرهاب، يلجأ هذا الإعلام إلى نشر قصص إنسانية للضحايا، وصور الجثث والأشلاء، بمبرر إظهار بشاعة الإرهابيين، لكن ذلك قد يضعف تأثير الدماء في النفوس، فتتعايش معه، فتتسع رقعة التطرف، وتزداد الرغبة في الانتقام.
والأمر هكذا، يجب التعامل مع الأخبار المتعلقة بالإرهاب كأحداث مأساوية عادية، وصوغ الأحداث بشكل يؤمن وصول الحقيقة، والاهتمام بتقديم الحلول، والابتعاد عن الإثارة في نشرها، لحرمان الإرهاب من اكتساب صفة البطولة، مع الامتناع عن وصف الجرائم الإرهابية بطريقة تغري بارتكابها.
كما يجب أن تقوم كل مؤسسة إعلامية بوضع رؤية واضحة للتعامل مع الإرهاب، وتوصيفه بدقة، وعدم المبالغة فى إظهار مشاهد الدم والقتل، التزاما بما نصت عليه الاتفاقات الدولية، مع تجنب الإقصاء السياسي، والعنف اللفظى، وتركيم الإحساس بالظلم.
وهنا يجب تدريب الإعلاميين، وعدم حجب المعلومات، أو المساس بحرية التعبير، فيما يتعلق بالحوادث الإرهابية، لصالح دعاوى غامضة حول الأمن القومي، والنظام العام، التي تُفسر عالبًا لصالح الممارسات القمعية.