الإعلام في تعاطيه مع الإرهاب يبدو كسكين.. بإمكانها أن تقطع اللحم، أو أن تقتل المرء.. فالإعلام بإمكانه أن يساعد في القضاء على الإرهاب، أو أن يغذيه، ويساعد على انتشاره.. فما الضوابط التي تحكمه، حتى لا ينحرف عن أداء دوره، فيؤجج الإرهاب، ويُكْثِر الإرهابيين، وهل يلتزم إعلامُنا بهذه الضوابط، أم يحيد عنها؟ لابد من التوقف -ابتداءً- عن هذا الاستسهال في ترديد كلمة الإرهاب، وإطلاق وصفه على كل "من هب ودب"، الأمر الذي يقتضي تعريفه بشكل واضح، والاتفاق على معنى محدد له؛ كي لا نأخذ "العاطل في الباطل"، وحتى لا نظلم أبرياء، أو نساعد الإرهابيين الحقيقيين على الإفلات من المُساءلة. يجب كذلك عدم المبالغة في الحديث عن الإرهاب، أو تضخيم مظاهره وظواهره، حتى لا نتسبب في إشاعة الرعب والفزع، وكي لا نُحَمِّل الأمر فوق ما يحتمل، بل يجب منح "الإرهاب" الاهتمام الكافي، دون إفراط أو تفريط، ودون تكبير أو تقليل.. بل مطلوب وضع "الإرهاب" في حجمه الحقيقي، دون اصطناع أو افتعال. ولا يصح للإعلامي أن يتحول إلى قاض.. يطلق اسم "الإرهاب"، أو ينسب حوادث أو وقائع، إلى أشخاص أو كيانات معينة، دون اعتبار لكونها قيد التحقيق، إذ الإعلام دوره إعلام الناس بالحقائق، وليس الدعاية السلبية لصالح قوم، والإيجابية بحق أقوام آخرين، كي لا يتحول إلى أداة لتأجيج الخصومة السياسية، أو إشباع نزعات التصفية المعنوية للمخالفين، أو إطلاق أحكام وتعميمات جائرة، افتئاتا على عمل القضاء، واستباقا لتحركه، في التحري والتحقيق، والضبط، والتوثيق. أما الإعلامي الذي يقوم بتغطية شؤون الإرهاب فيجب أن ينحي عواطفه، وأن يقر للإرهابي بحق الحياة، ما دام لم يثبت أنه هدد حياة الآخرين بالفعل.. أما إدانته، وتبرئته، وإطلاقه أو إعدامه، فهذا ليس دور أي سلطة أو جهاز أو مؤسسة، بخلاف القضاء، وإلا لم تكن هناك حاجة إليه، ولأصبح من حق أي أحد أن يتهم أي أحد بالإرهاب، وأن يكيد له ما شاء، بما شاء ، وقتما يشاء، دون قرينة أو بينة، اللَّهم إلا الاتهامات المرسلة، والتعميمات المُلفقة، والأحكام الجائرة؛ احتكامًا لشريعة الغاب، وأن الغلبة للأقوى! والأمر هكذا، في حاجة إلى إعلاميين مدربين على توفير تغطية مهنية للإرهاب، وهذا يقتضي تطوير التغطية الاستقصائية لحوادثه، وعدم الاكتفاء بالتغطية السطحية، أو الطابع الخبري دون الجانب التحليلي، مع وضع الإرهاب في سياقه السياسي الواسع، وعدم تجاهل أسبابه السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية.. إلخ.
وهنا يجب الرجوع إلى الخبراء والمختصين الحقيقيين، وليس الخبراء الوهميين، أو المناكفين السياسيين، ممن لا خبرة لهم بالإرهاب، ولا دراية لهم به، وممن تحركهم نوازع شخصية، ومنافع ذاتية، وحسابات خاصة، الأمر الذي يغذي الإرهاب، ويمده بمزيد من الوقود، فيزداد اشتعالا، وتأججا، ويصيب برذاذه الجميع، ودون تفريق. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد