لا شك فى أن ظاهرة الإرهاب سواء الداخلي أو الخارجي تحظى باهتمام الشعوب والحكومات في شتى أنحاء العالم لما لها من أثار خطيرة على أمن الدول واستقرارها، ونحن في مصر عانينا منها ونعاني، بعد أن اتضح أننا أمام ظاهرة إجرامية منظمة تهدف إلى خلق جو عام من الخوف والرعب والتهديد باستخدام العنف ضد الأفراد والممتلكات؛ ما يعني أن هذه الظاهرة الخطيرة تهدف إلى زعزعة استقرار المجتمعات والتأثير في أوضاعها السياسية وضرب اقتصادياتها الوطنية مما يخلق حالة من الفوضى العامة تؤثر على مسيرة التنمية، ولا شك أن دور بعض وسائل الإعلام في تضخيم الأعمال التخريبية والفوضوية وأثارها التدميرية في المجتمع التي تثير خوف الرأي العام وتؤلبه ضد الحكومات بحجة عجزها عن حماية أمنه. ولذلك يتعمد من يقومون بأعمال إرهابية أو تخريبية إلى التسلح بوسائل الإعلام المختلفة لصنع إرهاب فكري في البداية ولتسويق أغراضهم وغاياتهم وتوظيفها في تضليل الأجهزة الأمنية واكتساب السيطرة على الرأي العام عن طريق نشر أخبار العمليات التي يقومون بتنفيذها على اعتبار أن الحملات الإعلامية التي تغطي هذه العمليات تساعد على تحقيق واستكمال أهداف الإرهابيين، الذين يرون في التغطية الإعلامية لجرائمهم معيارًا هامًا لقياس مدى نجاح فعلهم التخريبي، لدرجة أن البعض اعتبر العمل الإرهابي الذي لا ترافقه تغطية إعلامية عملا فاشلا. من هنا يأتي استغلال الإرهاب للإعلام لترويج فكرة الإرهابي ودعمه من خلال محاولاته المستمرة في البحث عن الدعاية الإعلامية. الأمر الذي يجعلنا نسلط الضوء على أبرز سمات المعالجة الإعلامية للظاهرة الإرهابية، من حيث تركيزها على الحدث أكثر من التركيز على الإرهاب كظاهرة لها أسبابها وعواملها، حيث تتوارى في الغالب معالجة جذور هذه الظاهرة وأسبابها العميقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية ما يجعلها تبدو وكأنها مجردة ومطلقة، حيث تسود في الغالب معالجة العملية الإرهابية كحدث منعزل وليس كعملية تجري في سياق معين وتحدث في بيئة معينة. إضافة إلى هيمنة الطابع الإخباري على التغطية الإعلامية وتغييب التغطية ذات الطابع التحليلي والتفسيري، الأمر الذي يؤدي إلى بقاء المعالجة الإعلامية على سطح الحدث ما يضعف قدرتها على الإقناع ويفقدها التأثير الفاعل والملموس. وكذلك تفتقر وسائل معظم وسائل الإعلام المصرية إلى كادر إعلامي مؤهل ومختص، قادر على تقديم معالجة مناسبة لهذه الظاهرة فيتم الاعتماد على مذيعين عاديين أو مقدمي نشرات تجدهم في معظم الأحيان يفتقرون إلى الثقافة الإعلامية أو حتى طبيعة الحدث الذي هم بصدده. إلى جانب افتقار هذه الوسائل إلى الخبراء والمختصين في المجالات الأمنية والاجتماعية والنفسية والتربوية لمواجهة أي أحداث لإقناع المشاهد بحقيقة الحدث وعدم الانسياق وراء التضخيم الإعلامي الذى يؤدي فى معظم الأحيان إلى نتائج عكسية، إضافة إلى ذلك يجب التركيز على المسألة العلاجية للظاهرة الإرهابية، لا على تغطية الحدث الإرهابي، وضرورة الانتقال من التركيز على تفاصيل العمليات الإرهابية وردود الأفعال الرسمية والشعبية إلى تقديم رؤى تساعد القارئ أو المشاهد على تكوين رأى وطني. ولا شك أن تحجيم وسائل الإعلام التي لها أهداف خاصة تسعى إليها أو تمثل تيارات محددة سلفاً هو نوع من أنواع منع الخطر قبل حدوثه، فكثير من الفضائيات الموجهة استغلت حرية التعبير واستغلت حرية الإعلام بعد الثورة وأصبحت توجه أفكارها وتوجهاتها إلى شباب مصر وجموع المواطنين، وللأسف فقد تأثر الكثيرون بهذه الفضائيات وأصبح الكثير في حالة غضب بدعوى حرية التعبير وحرية الإعلام، فأية حرية هنا التي تزكي نار الفتنة وأية حرية هنا التي تؤدي إلى حدوث أفعال تعكر صفو هذا البلد وأمن مجتمعه لمجرد الترويج لأفكار من أشخاص غير مسئولين وغير مؤهلين لذلك فالإرهاب الفكري والإرهاب الإعلامي أصبح هو السلاح الجديد للإرهاب وأصبحت الفضائيات محل البنادق فهل نحن نريد ذلك، ولذلك لا بد أن تتدخل الدولة تجاه هذه الفضائيات من منطلق الحفاظ على أمن المجتمع وأمن الوطن، كما أننا نرجو من أن يُعاد النظر في وجود منطقة إعلامية حرة تماما، فهي تجربة كان لها ظروفها أدت إلى ما نحن فيه الآن من انفلات أخلاقي وانفلات إعلامي ومحاولة البعض لاستغلال هذه الحرية ومحاولة الدولة لوضع ضوابط واتخاذ قرارات، فالسؤال هو لماذا لا يتم إلغاء مصطلح منطقة إعلامية حرة فتصبح منطقة إعلامية، ولكن لها ضوابط وللدولة صلاحيات، فاتجاه مدينة الإنتاج الإعلامي نحو تحقيق مسماها الحقيقي الذي أنشئت من أجله فعلياً وهو الإنتاج الإعلامي المتميز المبدع الذي يجعلنا نتميز ليس في العالم العربي فقط بل في العالم أجمع أفضل بكثير جدا من أن تكون هذه المدينة العظيمة والصرح الكبير الذي كان أمل الإعلام العربي في التميز والإبداع، مجرد مدينة للإيجار الإعلامي بدون إبداع وبدون تميز. في النهاية.. لا بد أن نعلم تماما أن الإعلام يخلق أحيانا حالات شعورية كاذبة لدى البشر.. لذا يجب قيام إعلام مقاوم للاستغلال الشعورى لدى البشر قائم فقط على الحقائق المجردة من أي تفسير غيبي للأحداث.. وما أكثر من يستغلون الغيبيات لتحقيق أهدافهم الشخصية بعيدا عن مصلحة الأوطان.