أصبحت الآن وسائل الإعلام جزءًا أساسيًا من حياة الشعوب والمجتمعات، بفعل استجابتها ومواكبتها للتطورات والمستجدات الحاصلة فى شتى المجالات الحياتية، وقدرتها على الوصول إلى الجماهير ومخاطبتها والتأثير فيها، فإن هذا يتطلب ضرورة مراعاة ظروف كل مجتمع وبيئته الثقافية والقيمية والفكرية بشكل يضمن احترام هوية هذا المجتمع وخصوصيته، دون أن يعنى ذلك تجاهل الآخر وعدم جواز التعرف على ثقافته وحضارته، إذ لا بد من التواصل والتفاعل معه والاستفادة بما لديه من علوم ومعارف بعد أن أصبح العالم بفضل الثورة العلمية والتقنية والاتصالاتية أشبه ما يكون بقرية كونية صغيرة تتداخل فيها المصالح والاعتبارات بين دول العالم وشعوبه. ولذلك فأهمية الإعلام لا تكمن فى اقتنائه ومجاراة الآخرين فى استخدامه وتوجيهه، وإنما فى كيفية استعماله وتوظيفه بشكل هادف وعلى نحو يجعله قادرًا على التعبير الموضوعى عند تناول القضايا المختلفة، بحيث نضمن وسائل إعلام بإطار مرجعى كفيل بتوفير تغطية منهجية تتماشى مع قواعد الإعلام والأسس القائم عليها بعيدًا عن العفوية والارتجال، وربما هذا ما تفتقد له الكثير من وسائل الإعلام فى وقتنا الراهن مع كل أسف، بعد أن رهنت سياساتها وتطلعاتها بالتعايش مع متطلبات السوق الإعلامية بما يضمن لها ترويج سلعتها الإعلامية فى أكبر عدد ممكن من الأسواق لضمان وصولها بالتالى إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور أو محاولة تحقيق أهداف خاصة لقوى خارجية تستخدم الإعلام لتحقيق أهداف داخلية، وهذا هو الشيء الذى ربما أفسح المجال لحدوث ممارسات إعلامية خاطئة وغير مسئولة أفرزت حالة من الشك وعدم المسئولية حول حقيقة دور وسائل الإعلام ومصداقيتها، وما إذا كانت تقوم بالفعل بتأدية رسالتها المفترضة أم لا وإن كنا فى مصر نفتقد عصور الريادة الإعلامية وخاصة الإعلام الرسمى الذى انصرف فى الآونة الأخيرة إلى أشياء وقضايا ليست ذات جدوى وبرامج للتسلية وأنشئت فى العصر السابق قنوات جديدة ليست لها أى أثر لدى المشاهد المصرى أو العربى ولا تدخل حتى فى نطاق المنافسة ويتم الإنفاق عليها دون محاسبة فالإعلام الرسمى ترك مهمته الأساسية نحو المواطن المصرى وهى التوعية والتثقيف ومناقشة قضاياه وطرح مشكلاته ومحاولة طرح حلولها بشفافية والتركيز على الشباب ليس بالترفيه وبرامج المنوعات التى تؤدى فى النهاية إلى خواء فكرى وثقافى ويضطر الشباب للبحث فى وسائل الإعلام الخاصة والخارجية عما يملأ عقولهم ويؤهلهم ليكونوا شباباً لمصر بحق. ولا شك بأن ظاهرة الإرهاب سواء الداخلى أو الخارجى تحظى باهتمام الشعوب والحكومات فى شتى أنحاء العالم لما لها من آثار خطيرة على أمن الدول واستقرارها ونحن فى مصر عانينا منها ونعانى، بعد أن اتضح أننا أمام ظاهرة إجرامية منظمة تهدف إلى خلق جو عام من الخوف والرعب والتهديد باستخدام العنف ضد الأفراد والممتلكات؛ ما يعنى أن هذه الظاهرة الخطيرة تهدف إلى زعزعة استقرار المجتمعات والتأثير فى أوضاعها السياسية وضرب اقتصادياتها الوطنية مما يخلق حالة من الفوضى العامة تؤثر على مسيرة التنمية، ولا شك أن دور بعض وسائل الإعلام فى تضخيم الأعمال التخريبية والفوضوية وآثارها التدميرية فى المجتمع التى تثير خوف الرأى العام وتؤلبه ضد الحكومات بحجة عجزها عن حماية آمنة. ولذلك يتعمد مَن يقومون بأعمال إرهابية أو تخريبية إلى التسلح بوسائل الإعلام المختلفة لصنع إرهاب فكرى فى البداية ولتسويق أغراضهم وغاياتهم وتوظيفها فى تضليل الأجهزة الأمنية واكتساب السيطرة على الرأى العام عن طريق نشر أخبار العمليات التى يقومون بتنفيذها على اعتبار أن الحملات الإعلامية التى تغطى هذه العمليات تساعد على تحقيق واستكمال أهداف الإرهابيين، الذين يرون فى التغطية الإعلامية لجرائمهم معيارًا هامًا لقياس مدى نجاح فعلهم التخريبى، لدرجة أن البعض اعتبر العمل الإرهابى الذى لا ترافقه تغطية إعلامية عملاً فاشلاً، من هنا يأتى استغلال الإرهاب للإعلام لترويج فكره الإرهابى ودعمه من خلال محاولاته المستمرة فى البحث عن الدعاية الإعلامية، الأمر الذى يجعلنا نسلط الضوء على أبرز سمات المعالجة الإعلامية للظاهرة الإرهابية من حيث تركيزها على الحدث أكثر من التركيز على الإرهاب كظاهرة لها أسبابها وعواملها، حيث تتوارى فى الغالب معالجة جذور هذه الظاهرة وأسبابها العميقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية ما يجعلها تبدو وكأنها مجردة ومطلقة، حيث تسود فى الغالب معالجة العملية الإرهابية كحدث منعزل وليس كعملية تجرى فى سياق معين وتحدث فى بيئة معينة، إضافة إلى هيمنة الطابع الإخبارى على التغطية الإعلامية وتغييب التغطية ذات الطابع التحليلى والتفسيرى، الأمر الذى يؤدى إلى بقاء المعالجة الإعلامية على سطح الحدث ما يضعف قدرتها على الإقناع ويفقدها التأثير الفاعل والملموس. وكذلك تفتقر معظم وسائل الإعلام المصرية إلى كادر إعلامى مؤهل ومختص، قادر على تقديم معالجة مناسبة لهذه الظاهرة فيتم الاعتماد على مذيعين عاديين أو مقدمى نشرات تجدهم فى معظم الأحيان يفتقرون إلى الثقافة الإعلامية أو حتى طبيعة الحدث الذى هم بصدده إلى جانب افتقار هذه الوسائل إلى الخبراء والمختصين فى المجالات الأمنية والاجتماعية والنفسية والتربوية لمواجهة أية أحداث لإقناع المشاهد بحقيقة الحدث وعدم الانسياق وراء التضخيم الإعلامى الذى يؤدى فى معظم الأحيان إلى نتائج عكسية إضافة إلى ذلك يجب التركيز على المسألة العلاجية للظاهرة الإرهابية، لا على تغطية الحدث الإرهابى، وضرورة الانتقال من التركيز على تفاصيل العمليات الإرهابية وردود الأفعال الرسمية والشعبية إلى تقديم رؤى تساعد القارئ أو المشاهد على تكوين رأى وطني، ولا شك أن تحجيم وسائل الإعلام التى لها أهداف خاصة تسعى إليها أو تمثل تيارات محددة سلفاً هو نوع من أنواع منع الخطر قبل حدوثه فكثير من الفضائيات الموجهة استغلت حرية التعبير واستغلت حرية الإعلام بعد الثورة وأصبحت توجه أفكارها وتوجهاتها إلى شباب مصر وجموع المواطنين وللأسف فقد تأثر الكثيرون بهذه الفضائيات وأصبح الكثير فى حالة غضب بدعوى حرية التعبير وحرية الإعلام فأية حرية هنا التى تزكى نار الفتنة وأية حرية هنا التى تؤدى إلى حدوث أفعال تعكر صفو هذا البلد وأمن مجتمعه لمجرد الترويج لأفكار من أشخاص غير مسئولين وغير مؤهلين لذلك فالإرهاب الفكرى والإرهاب الإعلامى أصبح هو السلاح الجديد للإرهاب وأصبحت الفضائيات محل البنادق فحل نحن نريد ذلك، ولذلك لا بد أن تتدخل الدولة تجاه هذه الفضائيات من منطلق الحفاظ على أمن المجتمع وأمن الوطن كما أننا نرجو من أن يُعاد النظر فى وجود منطقة إعلامية حرة تمامًا فهى تجربة كان لها ظروفها أدت إلى ما نحن فيه الآن من انفلات أخلاقى وانفلات إعلامى ومحاولة البعض لاستغلال هذه الحرية ومحاولة الدولة لوضع ضوابط واتخاذ قرارات فالسؤال هو لماذا لا يتم إلغاء مصطلح منطقة إعلامية حرة فتصبح منطقة إعلامية ولكن لها ضوابط وللدولة صلاحيات فاتجاه مدينة الإنتاج الإعلامى نحو تحقيق مسماها الحقيقى الذى أنشئت من اجله فعلياً وهو الإنتاج الإعلامى المتميز المبدع الذى يجعلنا نتميز ليس فى العالم العربى فقط بل فى العالم أجمع أفضل بكثير جدًا من أن تكون هذه المدينة العظيمة والصرح الكبير الذى كان أمل الإعلام العربى فى التميز والإبداع، مجرد مدينة للإيجار الإعلامى بدون إبداع وبدون تميز. فى النهاية.. لا بد أن نعلم تمامًا أن الإعلام يخلق أحياناً حالات شعورية كاذبة لدى البشر… لذا يجب قيام إعلام مقاوم للاستغلال الشعورى لدى البشر قائم فقط على الحقائق المجردة من أى تفسير غيبى للأحداث…وما أكثر من يستغلون الغيبيات لتحقيق أهدافهم الشخصية بعيدا عن مصلحة الأوطان. رئيس جمعية الإعلاميين العرب