عندما يتخلى الإعلام عن دوره، فيتحول إلى دعاية سوداء، من خلال استخدام أساليب معينة، يضلل بها الرأي العام، ويوجهه فيما يريده أصحاب الغرض، وما يميل إليه صناع القرار.. من حقنا أن نتساءل: كيف يؤثر هذا الإعلام الدعائي على الناس؟ الواقع أنه يعتمد في هذه الحالة على "حقن" ممنهج للفرد أو الشعب بمعلومات معينة عن فئة أو فرد أو قضية أو موضوع ما، بهدف غرس أفكار أو صور "مؤدلجة" في عقله، كي يتم تبرير أي إجراءات أو تدابير تُتخذ، حتى لو مست صميم حياته ومستقبله بالسلب. إن الدول الفتية لا يمكن أن تنهض على أنصاف الحقائق، ولا على الأكاذيب "المطهوة"، أو الرسائل "المعدة" سلفا، التي يتم تسريبها إلى العقل الباطن لدى مواطنيها، ومنطقة اللاوعي لديهم، من أجل التحكم في سلوكهم، وتوجيه ردود أفعالهم، لتأخذ نسقا معينا ، أو اتجاها محددا، يحقق - في الغالب - مصالح الفئة المتغلبة أو المتحكمة أو النافذة، حتى لو كان ذلك على حساب الشعب، والمصلحة العامة. دراسات كثيرة تناولت هذا الموضوع، ورصدت أكثر وسائل الدعاية استخداما، ولعل أبرزها: الاستهداف الشخصي لا الموضوعي، وفيه يتم نقد الشخص لا الفكرة، مع تكرار أفكار معينة، لتتحول مع مرور الزمن إلى جزء من الحقيقة، فضلا عن التخويف، وإثارة الفزع، وتعميم ثقافة إصدار الأحكام المسبقة، وإشاعة الغموض المعمد. ويعتمد الإعلام الدعائي أيضا على توجيه الاتهامات الباطلة، والتسطيح، ونشر التعميمات، والنقل غير الأمين للتصريحات والأقوال، من أجل تغيير معناها، إضافة إلى التشويه والشيطنة، والقولبة والتنميط، ورسم الصور السلبية، وإطلاق الشعارات، والإلهاء، والتعتيم على التوجهات والآراء المخالفة، وادعاء الموضوعية غير الحقيقية، وتغيير المفاهيم، والعبث بالمصطلحات. أما أخبث وسيلة للدعاية الإعلامية فهي تعمد الكذب، باعتباره أحد أساليب الدعاية النازية، وكذلك تزييف الحقائق، باعتباره أحد أساليب الدعاية الصهيونية. واستكمالا للإطار الدعائي المرسوم عبر الإعلام، يتم إيهام الرأي العام بعدم جدوى السلوك الاحتجاجي، ومحاولة إقناعه بالانضمام إلى الجانب صاحب القوة، تحت ذريعة أنه لا جدوى من مقاومته، وأنه يجب التسليم بما يسلم به الجميع، بينما هذا الجميع ليس جميعا. ومن أشكال الدعاية الإعلامية الناجحة "الدعاية الصهيونية" التي قامت بأكبر عملية غسل أدمغة على المستوى العالمي، لصالح قضية احتلال فلسطين، وطرد سكانها، وتهويد معالمها. وقد استخدمت "الدعاية الصهيونية" الإعلامية -بنجاح- أساليب الاستعطاف والاستمالة، وإثارة التعاطف، وتلميع وتجميل الذات، وتبشيع وتقبيح صورة الآخر، وقلب الحقائق.. إلخ. ولا حل لمجابهة الإعلام الدعائي، وسمومه السوداء؛ سوى الوعي الشعبي، وحصار تلك الدعايات الرخيصة، وكشف سواءاتها أمام الناس أولا بأول، مع ممارسة دور نقدى فردي وجماعي إزاء ذلك الإعلام وسمومه الخطيرة. أخيرا: هل بقي من أساليب الدعاية المذكورة ما لم تستخدمه وسائل الإعلام المصرية والعربية -عبر تاريخها- حتى الآن، بهدف إخضاع المواطن للسلطة.. أيا كانت، وذلك بعد أن تنكرت تلك الوسائل لدورها، وتحولت عن الإعلام إلى الدعاية؟ [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد