◀ قصة قصيرة : يقينى - واعتدت ألا يكون لى يقين - أن هذه الغيمة السوداء الحبلى بالماء لن تمر. ستحجب وجه الشمس طويلا، وتتنصت لصوت الريح وهو يهزمنا ويفرقنا، أو يسجننا خلف جدران البيوت.أتابعها بإصرارٍ من خلف زجاج نافذتي. تقف كحجاب يغطى عين الشمس، لا عن تَدَيُّن ولا امتثال لأوامر ونواهٍ ربانية، بل لإضفاء مزيد من الرهبة ونشر الفزع والخوف فى القلوب المتوثبة نحو الشمس، نحو الضياء والسعي.قبل بزوغ الغيمة السوداء، لم يكن لدى يقين، كل ما لديَّ شك وظن واعتقاد. ربما تماديت قليلا، فظننتنى نتاج حلم يداعب روح كائن هلامى نائم، ما إن يستيقظ من حلمه إلا واختفيت كأن لم أكن. هكذا، دون وداع، بلا موت، ولا مشيعين ولا قبر. كم تساءلت متى يصحو هذا المأفون؟. أليست له زوجة تضيق بنومه فى الساعات القليلة التى يتواجد فيها بالمنزل بين أولاده؟. ألم يحن وقت طعامه؟. ألم تضج مثانته بالماء المحبوس فيها فتوقظه ليفرغها، قائما أو قاعدا؟.. بعدما استولت الغيمة على شمسي، وُلد لدى يقين. مادام اليقين موجودا، فأنا لست حلما... أنا أعيش تحت ظلال الغيمة، حبيس جدراني، يعاتبنى الضياء الذى أشتاق لمواجهته، وتلوكنى الظلمة التى أحياها. من لى بجناحين لأحلق عاليا كهذا العصفور الذى ينقر فى كبد الغيمة؟ لعلها ترحل. أو تفرغ ما بجوفها فتتلاشي. زمجرت الريح، اقتتال صارخ بينها وبين الغيمة. لأول مرة أعشق ريح الشتاء...هاهى تجاهد كى تزحزح العتمة.. تضرب العصفور دون وعيٍ...يصدها بجناحيه الصغيرين ويقاوم...يالك من عصفور... ثمة أمل يراود العتمة عن نفسها، يمزق حجب اليأس...ثمة شعاع ضوء يغوص فى بطن العتمة ويخرقها إلينا...يقين أول يتهاوى أمام شعاع ضوء واحد...تتفتت الغيمة إلى آلاف القطرات الصغيرة...تتهاوى فتغسل الشوارع والبيوت والأشجار والمساجد والكنائس...تغسل الجميع بلا استثناء... وتختفى الغيمة... تشرق الشمس.. وتمتلئ الشوارع بالعصافير.