تعرف على موعد إعلان نتيجة تقليل الاغتراب 2025    محافظ كفر الشيخ: مدارس حقلية ومشاتل نخيل شراكة رائدة مع «الفاو»    14561 رحلة استقبلها مطار شرم الشيخ هذا العام    البيت الأبيض: ترامب يريد أن يرى نهاية للحرب في غزة    الخارجية الأمريكية ل«الشروق»: ملتزمون بدعم حوار يؤدى للسلام وينهى معاناة السودانيين    مبابي وفينيسيوس يقودان هجوم الريال ضد أوساسونا في الدوري الاسباني    ترامب يوسع نطاق التعريفات الجمركية على المعادن لتشمل معدات الأطفال والدراجات النارية    صلاح: قدمت أفضل مواسمي مع ليفربول.. والضغط سيكون أكبر    تقرير: باير ليفركوزن يقترب من استعارة لاعب مانشستر سيتي    اتحاد الكرة يقرر حضور 250 مشجع في دوري المحترفين و 50 من مجالس الإدارات    انقلاب سيارة محملة بالطماطم على الطريق الصحراوي بالبحيرة    مصرع طالب غرقًا في سمالوط بالمنيا    شروط تركيب عدادات المياه الجديدة 2025.. قرار وزارة التموين والتفاصيل الكاملة    مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي يكشف عن البوستر الرسمي للدورة ال32    إعلان القائمة القصيرة لجوائز الصحافة المصرية (دورة محمود عوض 2025) وترشيحان ل«الشروق».. تفاصيل    تعدّى على أبيه دفاعاً عن أمه.. والأم تسأل عن الحكم وأمين الفتوى يرد    هل الكلام أثناء الوضوء يبطله؟.. أمين الفتوى يجيب    صحة الدقهلية: تشكيل لجنة لكشف ملابسات وفاة الطفل مالك أثناء عملية جراحية بمستشفي شربين    انتبه اضطرابات حرارة الجسم قد تكشف لك أمراضًا خطيرة    "رقص وفستان جريء".. 20 صورة ل ميريام فارس من حفلها بالسويد    بصحبة زوجة كريم محمود عبدالعزيز.. ريهام أيمن تنشر صور جديدة لها    صحيفة الاتحاد: مساعد مدرب أياكس ضمن المرشحين لقيادة الجزيرة خلفا ل عموتة    "ابني كريم رد عليا".. صرخة أم في سوهاج بعد أن ابتلع النيل طفلها (القصة الكاملة)    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    مع اقتراب العام الدراسي| سيارات مستعملة يمكن شراؤها للطلاب بهذه الأسعار    نابولي يعلن ضم مدافع جيرونا    اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، التشخيص والعلاج عند الأطفال والكبار    من تيمور تيمور إلى نيازي مصطفى.. حوادث مأساوية أنهت حياة نجوم الفن    بنك القاهرة يطلق حملة ترويجية وجوائز لحاملي البطاقات الائتمانية    تقارير: 200 طفل يصابون يوميا بسوء تغذية حاد    جولة ميدانية لمدير إدارة مصر الجديدة لمتابعة الاستعدادات للعام الدراسي الجديد    أمين الفتوى ل الستات مايعرفوش يكدبوا: لا توجد صداقة بين الرجل والمرأة.. فيديو    لليوم الرابع.. "مستقبل وطن" يواصل اجتماعات لجنة ترشيحات النواب استعدادًا لانتخابات 2025    رئيس هيئة الرقابة على الصادرات: 310 معامل معتمد لضمان جودة الصادرات المصرية    ويجز يطرح "الأيام" أولى أغنيات ألبومه الجديد على يوتيوب    محامي بدرية طلبة يوضح حقيقة إحالتها للمحاكمة ب«إساءة استخدام السوشيال ميديا» (خاص)    4374 فُرصة عمل جديدة في 12 محافظة بحد أدنى 7 آلاف جنيه    جهاز الاتصالات: إيقاف الهواتف التي تجري المكالمات التسويقية الإزعاجية بداية من الأسبوع المقبل    عمرو دياب يرقص على موسيقى «أشغال شقة».. وهشام ماجد: «يا مسيطنا في كل حفلة» (فيديو)    نفق وأعمال حفر إسرائيلية جديدة داخل ساحة البراق غرب المسجد الأقصى    وكيل تعليم بالأقصر يتفقد التدريب العملي لطلاب الثانوية الفندقية على أساسيات المطبخ الإيطالي    الشيخ خالد الجندى: افعلوا هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله    بالصور- وزير العدل يفتتح مبنى محكمة الأسرة بكفر الدوار    صور.. النقل تحذر من هذه السلوكيات في المترو والقطار الخفيف LRT    بي بي سي ترصد طوابير شاحنات المساعدات عند معبر رفح بانتظار دخول غزة    بعد جولة مفاجئة.. محافظ الدقهلية يحيل مسؤولين بمستشفى نبروه للتحقيق    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    التربية المدنية ودورها في تنمية الوعي والمسؤولية في ندوة بمجمع إعلام القليوبية    الأرصاد: اضطراب الملاحة على البحر الأحمر وخليج السويس والموج يرتفع ل3.5 متر    ضبط 433 قضية مخدرات فى حملات أمنية خلال 24 ساعة    "الموعد والقناة الناقلة".. النصر يصطدم بالاتحاد في نصف نهائي السوبر السعودي    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني: الاقتصاد المصري يحتل أهمية خاصة للاستثمارات    إلغاء إجازة اليوم الوطني السعودي ال95 للقطاعين العام والخاص حقيقة أم شائعة؟    «100 يوم صحة» تقدم 52.9 مليون خدمة طبية مجانية خلال 34 يومًا    عماد النحاس يكشف موقف الشناوي من مشاركة شوبير أساسيا    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    «ثغرة» بيراميدز تغازل المصري البورسعيدي.. كيف يستغلها الكوكي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زكي نجيب محمود‏..‏ كيف كان يفكر؟‏!‏

..‏ في مرحلة سابقة ثار جدل واسع في الوسط الثقافي والفكري المصري المعاصر‏,‏ الأول‏:‏ لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ والثاني‏:‏ أيهما أكثر أهمية وتأثيرا عباس العقاد أم طه حسين؟‏. وفي الاثنين كانت للدكتور زكي نجيب محمود إجابة محددة.
فقد قال عن السؤال الأول: لأننا نعتمد علي الكلامولوجيا, في حين يعتمد الآخرون في الغرب علي التكنولوجيا, وهذا معناه أننا نعتمد علي الأقوال( والشعارات) لا الأفعال.. وتلك كارثة كان لابد أن ندفع ثمنها غاليا.. وقد كان!!أما القضية الثانية, فقد كشفت الإجابة التي انشغل بها كثيرون في ذلك الوقت عن تيارين كبيرين في الثقافة المصرية: تيار العقاديون.. وتيار الطحاسنة! ومال كل تيار الي زعيمه مرجحا كفته ومؤكدا تأثيره الواسع واستقطابه للفكر المصري والعربي..
وكان فيلسوفنا الراحل زكي نجيب محمود ممن تابعوا هذا الجدل, وذهب الي أنه علامة صحة وعافية, لكنه توقف أمام إحدي محطات هذا الجدل الصاخب.. وهي المحطة التي ذكرها نفر من هذا التيار أو ذاك وتتعلق بعدد الكتب والمؤلفات التي تركها عباس العقاد وزميله طه حسين.. ومن الواضح أن هذا المعيار الكمي قد أزعج زكي نجيب محمود الي حد كبير.. خصوصا أنه لا يحسب علي تيار ضد آخر وانما هو من القلائل, في ذلك الزمان, الذي كان يميل الي الرجلين معا, فتأثر بالعقاد في شخصه وروحه, وعصاميته, وتأثر بطه حسين في جرأته, ومنهجيته وشغفه بالمعرفة.. ولذلك ظل يتأمل فكرة( الكمية) في الإنتاج الفكري والثقافي, إذ لا يعقل أن يكون العقاد أهم وأبعد تأثيرا في الأجيال من طه حسين لأنه وضع لنا مائة وستة من الكتب في شتي جوانب المعرفة.
.. وطه حسين أقل تأثيرا لأنه لم يترك لنا سوي ستة وخمسين كتابا, ورأي زكي نجيب محمود أن هذا المعيار( الكمي) قد يصلح في زراعة وانتاج البطاطس أو اللوبيا, لكنه لا يمكن اعتماده والتعويل عليه في دنيا الفكر.. إذ يكفينا في الميدان الأخير أن نقف عند الاتجاه الجديد الذي اختطه المثقف أو المفكر.. وارتياده الي مناطق لم تكن مأهولة ولم يتطرق إليها العقل قبله.. وهو ما يعني أن الإضافة الحقيقية لصاحب الفكر تتمثل في المنهج والطريقة والاتجاه وليس في العدد أو الكمية.
وفي اعتقادنا أن زكي نجيب محمود قد أصاب كبد الحقيقة لأسباب كثيرة, منها( مثلا) أن طه حسين( نفسه) لم تكن كل كتبه علي نفس القدر من الأهمية.. فكلنا يذكر أن كتابه الشهير( في الشعر الجاهلي) الذي أصدره في ثلاثينيات القرن الماضي وأحدث( هزة) فكرية في الأمة, وثار من أجله الثائرون هو أكثر مؤلفات عميد الأدب العربي بقاء وتأثيرا, لأنه اتبع فيه منهج الشك لديكارت.
ويذكر مؤرخو الأدب, أن طه حسين أصدر كتابه( ذاك) وأهداه الي رئيس وزراء مصر في ذلك الزمان, كما رأي أن يصدر الكتاب في أثناء رحلته الصيفية المعتادة لفرنسا.. لكن لا تحرقه نيران الثورة التي كان يتوقعها.. وكانت اندلعت المظاهرات التي حاول زعيم الأمة سعد زغلول احتواءها عندما هتف في المتظاهرين مؤكدا أن دين الله بخير, ثم قال ليمتص غضب الثائرين.. ماذا يضيرنا اذا لم يفهم البقر!!
.. علي أية حال المعيار الذي نود الإشارة إليه, والذي ركز عليه فيلسوفنا زكي نجيب محمود هو معيار الجرأة والفتح وارتياد الطرق الوعرة.. وهكذا كان كتاب في الشعر الجاهلي لعميد الأدب العربي.. وهو ما يعني انتهاء أن المسألة لا تتعلق بالكمية لا من قريب ولا من بعيد, وعلي أثر ذكر الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت, فالدارسون لسيرته العلمية والفلسفية يعرفون أنه وضع عدة كتب وألقي مئات المحاضرات, لكن أهمية هذا الفيلسوف لم تظهر إلا من خلال كتيب صغير بعنوان: مقال في المنهج حقق به فتوحات غير مسبوقة في دنيا الفلسفة, وأسس عبره للفلسفة الحديثة, وانتشر علي أثره مذهبه في الشك: أنا أشك إذن أنا موجود!.
.. والحق أن هذا المثال يؤكد فعلا لا قولا أن المعيار الكمي لا وجود له عند تقويم الفكر.... وفيلسوفنا الأبرز وعالم الاجتماع السياسي عبدالرحمن بن خلدون ترك لنا مآثر علمية لا حدود لها.. لكن يبقي كتابه الأشهر المقدمة في علم العمران هي درة التابع, فقد وضع بها أسس علم الاجتماع الذي سبق فيه علماء الغرب.. واذا توقفنا لحظة أمام عشرات بل مئات الدراسات التي دارت حول المقدمة لأدركنا أننا أمام عبقري من عباقرة المسلمين.
واذا أسرعنا الخطي وقلبنا في صفحات الإمام محمد عبده لوجدنا مؤلفات كثيرة يأتي علي قمتها كتاب: رسالة التوحيد الذي يعتبره الدارسون لسيرة محمد عبده( الكتاب) معرفا بالألف واللام.. وفي كل الأحوال اذا أردنا أن نطبق هذا المنهج الكيفي علي زكي نجيب محمود الذي ترك لنا عشرات الكتب وانشغل طوال سنوات عمره بها.. كان يكتبها مقالات مستفيضة تنشرها الأهرام في عصرها الزاهر ثم يقوم بتجميعها بعد ذلك في كتب.. أظن أنها ستبقي طويلا.. طويلا..
أقول اذا طبقنا هذا المنهج علي فيلسوف الوضعية المنطقية لوجدنا أن هناك ثلاثة كتب تمثل فكر وفلسفة هذا الرجل: الكتاب الأول أثار ضجيجا ولايزال.. وهو بعنوان: خرافة الميتافيزيقا الذي حاول جاهدا أن يودع فيه فلسفته التي تحمس لها في بواكير أيامه وتحديدا بعد عودته من الخارج حاصلا علي درجة الدكتوراه في الفلسفة...
الكتاب الثاني هو المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري, وهو كتاب أقسم أن كل من يقرأه قراءة جادة ورصينة وعميقة سوف يري في نفسه إنسانا آخر غير ذلك الإنسان الذي قرأ الكتاب لأول مرة.. ولاشك أن المنهج العقلي الذي يحرضنا زكي نجيب محمود علي الأخذ به في حياتنا اليومية, هو الهدف الذي وضع من أجله هذا الكتاب.. سيما أنه لاحظ أن مساحة اللامعقول في تاريخنا وتراثنا وحياتنا وتصوراتنا لمستقبلنا لا حدود لها.. فتألم كثيرا وكان هذا الكتاب من حصاد هذا الألم.
الكتاب الثالث هو تجديد الفكر العربي.. الذي يضع فيه الرجل قناعاته ومبادئه فهو مفكر عربي مهموم بالفكر في المنطقة العربية, ولا يميل مع أولئك الذين يريدون سلخ مصر من عالمها العربي أو محيطها الإسلامي..
أعتقد أن هذه الكتب الثلاثة هي التي تختزل لنا زكي نجيب محمود المفكر والفيلسوف.. صحيح أن للرجل عشرات الكتب الأخري ولا تقل أهمية عن هذه الكتب التي توقفنا عندها, لكن في النهاية لو لم يضع لنا زكي نجيب محمود هذه الكتب الثلاثة( خرافة الميتافيزيقا المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري تجديد الفكر العربي) لوجدنا أنفسنا أمام شخص آخر غير هذا الفيلسوف الذي أخلص لحياة الفكر ووهب نفسه لفلسفته, وأنكر ذاته في مرات كثيرة.. فعندما رفض منصب وزير ثقافة مصر وكان قد عرض عليه فإنما كان يقول: إن حياة الفكر عندي لهي أفضل ألف مرة من الاستوزار.. وهو هنا يذكرنا بأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد, الذي قيل إن رئاسة مصر كانت عرضت عليه فأبي واستمسك بحياة الفكر والتأمل..
المزيد من مقالات د‏.‏ سعيد اللاوندي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.