كانت "مريم" أحلامها الصغيرة "عايشة" في آمال كبيرة، كانت تحلم بالسعادة وتبعد عن الأحزان المريرة، كانت كأى فتاة جميلة أن تنجح في حياتها وتلتقى إنسانا قلبه واسع ييقى لها شمس حياتها وأيامها المنيرة، إلا أنها سرعان ما كشفت لها الأيام والسنون أنها كانت "عايشة" فى أوهام كبيرة. "مريم عبد اللطيف" ذات الثلاثين عاما، كانت تعيش في مجتمع ريفى فيه البعض منهم ينظر للحب على أنه جريمة كبرى وفساد، وفى أحد مراكز محافظة الشرقية، كانت تعيش مريم التى تتمتع بجمال بالغ مع أسرتها الفقيرة، ومن شدة فقرها أراد والدها أن يزوجها كى يرفع عن كاهله عبء الإنفاق عليها، دون مراعاة حق اختيار شريك الحياة فقد ساق حظ مريم العثر أن يتقدم لها زوج لا تتمناه أى فتاة فى ريعان شباب وجمال مريم، ليس فقط لأنه فقير مثلها بل كان عاجزا فاقدا لإحدى عينيه وكذلك لإحدى يديه، وكان يعمل بائعا متجولا. ارتضت "مريم" أن تقبل الزواج من هذا الرجل العاجز بعد أن فرضه عليها والدها، وتنازلت عن أحلامها التى طالما حلمت بها بأن الحب في حياتنا هو الزهرة التي لا تذبل فكل يوم يمر عليها تزداد بهجة وروعة، وأن الحب هو السلاح القوي الذي يواجه المشاكل بجميع أنوعها، ولكن عندما يجتمع الفقر والعجز والإجبار على حياة لا نختارها بإرادتنا بل ونرضخ لواقعنا الأليم أحيانا فحينها نقول على الحب سلاما. لا يمنع أن علاقات الحب مثلما تنجح، قد تكون عرضة للفشل أيضآ، وذلك لأن الرجل أحيانآ قد لا يكون صادقآ في حبه، أو أن الفتاة قد تدخل التجربة من باب التسلية أو إرضاء الذات حتى تشعر بأنها مرغوبة، أو لأنها وصلت لسن الزواج وعليها أن تتزوج بصرف النظر عمن ستتزوجه، أو تلك الفتاة مجبرة مسيرة غير مخيرة مثل "مريم" لتذكرنا بالمقولة التى تقول :"سأل الممكن المستحيل أين تقيم؟ فأجابه في أحلام العاجز !". تزوجت "مريم " وعاشت حياة بائسة شديدة الفقر خالية من الحب، وأنجبت من الأبناء بنتين، "هدى ومنار"، جائتا هاتان الفتاتان للحياة وسط أسرة فقيرة والدهما رجل لا يعرف للحب ولا للعمل ولا للمال عنوانا كى يسعدهما بالحياة، وبين والدتهما ربة المنزل التى أجبرت على الزواج من والدهما الذى اعتاد على معاملتها بمعاملة سيئة، حتى انتقلت "مريم" من "عمر الزهور" وسنوات الإقبال على الحياة والإحساس بالمحبة تجاه كل الأشخاص والأشياء، إلى حياة فقدت فيها إحساسها بكل شئ، إلى "عمر الذبول"، بعد أن كان النضار يكسو مشاعرها وأفكارها لكن سرعان ما لبث أن يخبو، وتحولت لمجرد كائنة بائسة، مملة وغير مجدية، مسكونة بالأسى والإحباط، تنتظر دائماً تصاريف القدر، ولا تفكر في الابتكار أو العطاء مع زوج لا تحبه ومجبرة على العيش معه، فالحكمة تؤكد أن فاقد الشئ لا يعطيه، فما بالنا بفاقد الحياة ومتعتها!. فى الأحياء الفقيرة أحلامهم تجعل البعض منا في قمة تواضعه، خصوصا عندما نجد أن أقصى ما يحلمون به هو العيش كما نعيش، وفى ليلة وضحاها دخل حياة تلك الأسرة الفقيرة وبدأ يتردد عليهم صديق زوج "مريم" الذى كان يملك "محل موبايلات" فكان بالنسبة لتلك الأسرة بمثابة الأثرياء فى أعينهم التى اعتادت على كل ما هو فقير ومتنزهة عن كل ما يمط بصلة بالرفاهية، حتى وصل الأمر بزوج مريم أن يتغاضى عن قرب صديقه من بيته وزوجته مقابل أن أهداه "موبايل"، وحينها دبت الخلافات بين مريم وزجها واستحالت الحياة بينهما حتى وصلت إلى أن طلبت الطلاق من زوجها لسوء معاملته لها. لا طاقة تعادل رغبة المرأة في التمرد، وليعلم الرجال أن للنساء عيوناً غير عيونهم ترى أبعاداً غير التي يرونها, وتنظر للحياة بمنظار غير ذلك الجامد المعتم الذي ينظرون من خلاله، ولأن حال "مريم" ليس بحال نظيرتها من النساء فى أعمارها لهن تطلعات بل كان كل حلمها إصلاح الصرف الصحى المتهالك فى شقتها التى كانت تقطن فيها، وحينها تبددت حياة "مريم" وأسرتها وانقلبت رأسا على عقب عندما فكرت مريم أن تتوجه إلى شقيق زوجها الذى كان يقطن بجوارهم بمركز فاقوس بالشرقية، كى تقترض منه مبلغ 700 جنيه نظير إنفاقها على إصلاح الصرف الصحى ، واصطحبت ابنتها الصغيرة هدى (5 سنوات) وتركت ابنتها الأخرى "منار" ( 10 سنوات) لدى جدتها "أم مريم " لحين عودتها. إلا أن مريم وابنتها اختفتا فى ظروف غامضة منذ يوم 14 مارس الماضى، ولم تعلم أسرتها عنهما شيئا.. وظل شقيق "مريم" يبحث عنها فى كل مكان ويسأل عنها دون جدوى، وتوجه لشقيق زوج مريم للتأكد من ذهابها إليه لاقتراض بعض الأموال منه، وماذا حدث لها فى تلك الليلة، إلا أن شقيق زوج مريم أكد لشقيقها أنها لم تتوجه إليه قط ولم يرها منذ فترة، فدب الشك فى قلب شقيق مريم بأن أمرا غير طبيعيا قد حدث تجاه شقيقته وأن الأمر يتعلق بزوجها الذى أخبر أهل مريم أنه يعلم مكانها، لكنه يخشى الإفصاح عنه لتهديده فى حال الإفصاح عن مكانها، وكذلك الحال بالنسبة لصديقة الذى تردد عليهم مؤخرا أفاد أنه يعلم مكان اختفاء مريم وعندما كانت تتوجه الأسرة للمكان لم تجدها فيه. توجه شقيق "مريم" بعد رحلة بحث طويلة عن شقيقته وابنتها دون جدوى، إلى قسم الشرطة لتحرير محضر بواقعة اختفاء شقيقته وابنتها وحرر محضرا وقام باتهام زوج شقيقته وصديقه بأنهما وراء لغز اختفاءهما، ليبقى لغز اختفاء مريم وابنتها بين أيدى الجهات الأمنية لفك شفراته وإجلاء مصيرهما وعودة مريم لابنتها "منار" التى تركتها عند جدتها منذ تغيبها ولم تكف عن البكاء لعدم رؤية والدتها وشقيقتها الصغرى، حتى وصل الامر إلى إصابة جدتها " أم مريم" بعدة أمراض حزنا على اختفاء ابنتها وحفيدتها فى ظروف غامضة ولا تعرف مصيرهما.