مواطنة مصرية تقود سيارتها في طريقها الى المنزل بعد عناء يوم طويل ما بين العمل وشراء متطلبات البيت قبل العودة ، وفجأة يرتطم بمرآة سيارتها شيء مجهول ، فتوقفت لتجد كارثة مدوية ! إنه طفل ذو ثلاثة أعوام لم تتمكن من رؤيته لشدة قصر قامته ، ملقى على « الأسفلت « يغمره الدم من رأسه حتى غطى ملابسه الرثة فما كان من تلك الفتاة المكلومة الا أن انهارت من فرط الصراخ الهيستيري قائلة « مش قصدي يا رب .. انقذه يا رب « وألتف حولها أهالى المنطقة الراقية يمصمصون شفاههم بينما تقدمت نحوها واحدة من السيدات « الإيليت « تطلب منها رخصتها بقسوة وعنجهية ،وأعطتها لها في استسلام وحملت ذاك الضحية الى أقرب مستشفى وكانت لحظها الوفير « مستشفى الشرطة « بمدينة نصر واذا بكمين الحراسة يلفظونها هي والطفل « السايح في دمه» مرددين بكل جبروت « ممنوع الدخول ..معاكي كارنيه الشرطة ؟» فاستعمرت الدهشة ملامحها وصرخت فيهم « طيب إنقذوه الأول علشان خاطر ربنا « ولكن بكل أسف كانت كلمة الشرطة هي العليا .. فأخذت الطفل مهرولة الى المجهول تتبعها سيارة نصف نقل تقل عددا لا بأس به من حراس عقارات المنطقة كمجاملة لزميلهم « البواب « في إبنه المصاب واذا بالسماء تنصفها وسط خذلان البشر فتقع عيناها على مستشفى خيري فدخلت مسرعة لا ترى لحياتها هدفا الا انقاذ روح الطفل البريء ، وفعلا قام الطبيب بإسعافه « 3 غرز في جبينه « وطمأنها على حالته ثم طلب منها أن تسدد فاتورة الحساب بقيمة 1000 جنيه كرد جميل لتجاوزه عن ابلاغ الشرطة وعمل محضر كما هو معتاد في حالة الحوادث ، فدفعت ثم أخذت الطفل الى مركز للأشعة واجرت له فحوصات لم تكن متوفرة في المستشفى ثم أعادته الى مسكنه في حضن والديه ، وعادت هي الى بيتها تجرجر حسراتها لتسقط في حضن والدتها المسنة التي طحنها القلق على ابنتها التى تأخرت دون أن تكلمها أو أن تعرف السبب فغرقت الفتاة في انهيار عصبي حاد ... وهنا انتهت القصة التى نسجها الواقع المعاصر وإليك بعض ملاحظاتي عزيزي القارئ والتي أكاد أجزم على أنك سوف تتفق معي حولها : بات الأطفال في بلدنا ضحايا للإهمال الأسري ، فكيف لأب وأم أن يتركا طفلهما يلعب ب «جرادل المية « على قارعة الطريق تحتضنه السيارات مفترشا الأسفلت ! أما الشعار الجديد للداخلية بعد ثورتين فأصبح « الشرطة في خدمة الشرطة يا بشر واللي مش عاجبه ينتحر « وهنا أدعو السيد وزير الداخلية لإعادة النظر في انسانية رجاله . لكن ما هو أهم من هذا وذاك هو « خيري « أو « خيرية» في موضع آخر فتلك المفردة التى يتاجر بها البعض ويضعها على لافتة المستشفيات على طريقة السبكي حين يضع «للكبار فقط» على أفلام السينما لجذب الجمهور ، فيؤسفني أقولك انها ماتت في الوباء اللا أخلاقي الذي بات يخيم على مجتمعنا .. وعلى السيد وزير الصحة البحث والتقصي حول تلك المهازل المخزية وكفى الشعب كبار الأطباء والمستشفيات من « الجزارين والمجازر « . ولم يعد أمامنا الا الشعب المصري العريق الذي أصبح منزوع النخوة وخاليا من الشهامة ومتضخم الشهوة في « الفرجة « وتصوير المصائب عن بعد للحصول على أكبر عدد من اللايكات والتعليقات لصاحب الصورة الأجمد على مواقع التخاذل الإجتماعي ... ولا أراكم الله مكروها في عزيز عليكم .