أزقة يكاد جانبيها أن يلتقيا.. على حافتيها تستقر منازل مبنية بالطوب الأحمر.. وفي قلبها طرقات ضل الأسفلت طريقه إليها، تتصارع "التكاتك" على فراغاتها، وأصداء "المهرجانات الشعبية" تملأ جنباتها.. وسط مأساة المعيشة يسكن أناس يعيشون المرض حتى ألفوه.. لا طبيب يداويهم أو أسرة تحمل أجسادهم العليلة، بعد أن طالت جرافات الهدم مكتب الصحة الوحيد بمنطقة "بيجام" بحي شبرا، وبالرغم من حصولهم على وعود بتحويله إلى مستشفى يخدم أهالي المنطقة، إلا أن شيئًا لم يحدث والمهلة الزمنية تجاوزت 10 أعوام. بجلباب رمادي متهالك، وعمامة بيضاء أسرت تحتها شعرًا استعمره الشيب، وقف عفيفي أبويحيى، يشكو حاله: "أنا تعبان ومعييش حق المواصلات لمستشفى بعيدة، طب أروح فين!"، يعتمد "الشيخ الثمانيني" على معاش شهري قدره 360 جنيهًا: "حيكفي علاج ولا سكن ولا أكل ولا شرب"، كلمات ممزوجة بالأنين خرجت من لسان العجوز المريض. غرفتان ب"مسجد السلام" بديل حصل عليهما سكان "بيجام" تعويضًا عن المستشفى المنتظر إقامته.. لا يستوعب أهالي المنطقة، كما أنه لا يناسب ظروف غير القادرين على الحركة من المترددين عليه كمكان للشفاء. ويقول أحد أبناء المنطقة: "السليم بيطلع سلم المسجد تلاقيه عيان، فإزاي أنا يا عاجز حطلعه"، موضحًا أنه يبحث منذ 8 شهور عن طبيب أو مكان بالدور الأرضي يتناسب مع ظروفه الاستثنائية في الحركة، ولا تتوقف مأساة أهالي "بيجام" عند كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، "سيد" أحد سكان المنطقة الشعبية يروي تجربة حفيدته التي بالكاد أنقذها من المرض، نظرًا لعدم وجود مستشفى قريب؛ ما اضطره لقطع المسافة من شبرا إلى العباسية متجهًا صوب مستشفى "الدمرداش". "قمامة.. خردة.. سيارات.. مخازن.. وتكاتك".. هكذا أصبحت الأرض التي طمح أهالي "بيجام" أن تكون مستشفى يخفف معاناتهم، أما عن ساكنيها فيزعمون أنهم يستأجرونها من الحي، "هناء"، إحدى القاطنين في أرض المستشفى، تقول محاولة التظاهر بالقوة إلا أن نبرتها خرجت وقد نهشها الخوف: "إحنا مأجرين من الحي، محدش له عندنا حاجة، ولما الحي يقولنا امشوا حنمشي"، في مقابل كلامها تأتي مزاعم واتهامات أهالي المنطقة: ""دول بلطجية واخدينها وضع يد.. حي إيه اللي هيأجروها منه"، بحسب جيران الأرض. شكاوى السكان دفعت مسؤولين في مجلس المدينة إلى زيارة المنطقة لبحث المشكلة عدة مرات وفقًا للأهالي، إلا أن الوضع ظل على ما هو عليه، فلا المرضى وجدوا شفاءهم المأمول، ولا الأرض المستولى عليها انزاح عنها جراج السيارات و"التكاتك" لتحل محله المستشفى الموعود به "بيجام."