بدافع من تجربة عربية عربية!، وفى الذكرى السبعين لتأسيسها، خطت جامعة الدول العربية صوب تجسيد اتفاقية الدفاع العربى المشترك الموقعة عام 1950!، إذ فى الثانى والعشرين من مارس 1945 تأسست الجامعة، أى قبل منظمة الأممالمتحدة بشهور.!وذلك فى اعقاب دعوة الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر وزعيم حزب الوفد الحكومات العربية فى 12 يوليو 1944 على خلفية ذلك، يمكن استيعاب «الخطوة» العربية فى سياقها العام، ودلالاته المنطقية، وفق ما يتيحه الظرف الإقليمى والدولي، وفى ضوء خلو الأمر من وضوح كاف للرؤية. فليس من شك أن «الخطوة» الوليدة، على أهميتها، حرية بالفعل بتعليق الأجراس فى رقبتها، بضغط من التوترات المتناثرة على الساحة العربية، ما يعكس خشية بعض الأنظمة من تحولها إلى أداة تدخل فى الشأن الداخلى لبعض الدول العربية، بينما يزعم البعض قابليتها للتحول باتجاه مضاد لأحد أهم مبادئ بروتوكول الإسكندرية «أول وثيقة مؤسسة للجامعة العربية، 1944»، والداعى إلى «عدم جواز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين من دول الجامعة»، خاصة فى ظل الإهدار المتواصل للجزء الثانى من نفس المبدأ، والذى يؤكد «عدم جواز إتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أية دولة من دولها».! من جهة أخري، ومع بدء الترتيب لوضع أمر القوة العربية المشتركة قيد التنفيذ، تخضع «مجاهدة النفس»، لرصد حقيقي؛ إذ بات الإعلاء من شأنها ضرورة تحتمها المصلحة القومية العليا؛ فليس الأمر يخلو من تفاصيل ودقائق، قد تكشف أكثر مما تخفى من ريبة وهواجس، ومحل للنشوة السياسية لا يُعد زائداً عن المنطق العربي، فحديث مُكثف بين شركاء «الخطوة» لن يتجاهل الكُلفة المادية، وأحقية القيادة، وما تبيحه من تراتبية، يسهل الاختلاف حول معاييرها من جهة، وتبعاتها من جهة أخري، ناهيك عن الحدود المكانية والموضوعية للقوة العربية المشتركة، ولعل صياغة أكثر مهنية لتلك الأمور تغلف مباحثات تحدد للقوة العربية المشاركة مهماتها، وعقيدتها القتالية، فضلاً عن آليات تشكيلها. ومن ثم فإن السياق العربى يتيح مواقع مشروعة لتخوفات وشكوك بشأن صحة واقعة مولد «القوة العربية المشتركة»، بينما الأمل يحدو البعض صوب قوة عربية مشتركة قوامها الأساسى من عدد محدود من الدول العربية، على قاعدة من القواسم المشتركة المتوافرة بفعل عوامل الداخل والخارج على السواء، فى إشارات تكاد تصيب على وجه الخصوص مصر والسعودية والكويت والإمارات والأردن، وفى حين تأتى طبيعة العلاقات مع إيران فى مقدمة عوامل بلورة مواقف الدول العربية تجاه قوتهم المشتركة!، تبقى قطر حبيسة تحالفاتها مع «الأضداد»؛ فعضويتها فى دول مجلس التعاون الخليجي، ومساهمتها فى «عاصفة الحزم»، ومن قبل تحالفها القوى مع السعودية لإخراج «الأسد» من عرينه، كل ذلك يعجز عن قطع ما لديها من سُبل تمتد إلى إيران، بالقدر الذى تتصل به من جانب آخر بتركيا، والأخيرة لن تستشعر إلا التهديد جراء القوة العربية المشتركة؛ وبالتالى فبإضافة السياق الإقليمى إلى السياق العربى تظل التخوفات والشكوك بشأن صحة واقعة مولد القوة العربية المشتركة على مشروعيتها، بينما التوقعات بشأن مكوناتها تضيق على أصحابها. وخروجاً إلى السياق الدولي، وبالنظر إلى أن «خطوة» القوة العربية المشتركة، نشأت وترعرعت فى ظلال الأزمة اليمنية تحديداً، فإن أثراً لنجاح «عاصفة الحزم» لا يمكن تجاهله، بينما سحب الحوثيين إلى مائدة المفاوضات بالرياض قد يصعب تحقيقه «جواً»، والانزلاق «براً» لا يمكن حسم نتائجه على نحو دقيق وفق الدروس القريبة والبعيدة على حد سواء، لعل أهمها يحمل عنواناً مصرياً/يمنياً؛ وعلى ذلك فإن ارتياحاً دولياً صادفته «عاصفة الحزم»، بالقطع لن يستمر إذا ما امتدت «عواصف» القوة العربية إلى مناطق أخري. والواقع أن فى السياق الإقليمى والدولي، دلالات متبادلة لا يصح إهدارها؛ فليس أقل من «يد عربية» فى مواجهة أقرب إلى الصراحة تجاه المد الإيرانى فى المنطقة، بعد أن طال العراق وسوريا ولبنان واليمن، وفى ظل بوادر التقارب الأمريكي/الإيراني، على خلفية البرنامج النووى الإيرانى المثير للجدل عالمياً، والداعى إلى خيبة الأمل عربياً، إزاء «الحليف الأمريكي»، وقد آثر الأخير تغيير معادلات المنطقة، إلى الحد الذى بات معه «العدو الإيراني» مشتركاً لافتاً خاصة بين إسرائيل والخليج السُني، وهو مشترك لن يتسع ليشمل «قوتنا العربية».! ومع أهمية تجاوز العقبات المحيطة بمولد القوة العربية المشتركة، تأتى «لكن»، العربية دائماً، كحرف عطف واستدراك يُثبت لما بعده حكماً مخالفاً لحكم ما قبله؛ فإزاء ما جاء فى الإعلان الختامى للقمة من أن «مفهومنا للأمن القومى العربى ينصرف إلى معناه الشامل وبأبعاده السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية»، إذ «لكن» التجارة العربية البينية لا تتجاوز 8% من قيمة تجارة الدول العربية الإجمالية، وتستورد الدول العربية نحو 92% من حاجاتها من العالم الخارجي؛ ذلك العالم «صانع المؤامرات ضد الأمة العربية»!، وفى الاتجاه ذاته حركة الاستثمارات العربية، أما بقية أبعاد الأمن القومى العربي، السياسية والعسكرية والاجتماعية، فمناط تقييمها الفقرة الأولى من المقال.! لمزيد من مقالات عصام شيحة