بين الحين والآخر ونتيجة للصراع الدائر بين المسلمين واليهود حول المسجد الأقصى, أولى القبلتين, وثالث الحرمين, ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تثار قضية زيارة المسلمين من خارج فلسطين للمسجد الأقصى، وجدوى هذه الزيارة بالنسبة لقضية القدس والمقدسات، ومدى موافقتها للشريعة الإسلامية. وذلك بعد صدور فتوى رسمية لمجمع الفقه الاسلامي في دورته التي عقدت مؤخرا بالكويت تؤكد أن زيارة القدس وهي تحت الاحتلال جائزة. المؤيدون من علماء الدين طالبوا بضرورة زيارة المدينة المقدسة للحفاظ علي الهوية الإسلامية وحماية المدينة المقدسة من اليهود, مشددين على أن عدم الزيارة هو مساعدة العدو الصهيوني في استكمال مخططه الإرهابي لمحو معالم المدينة المقدسة. وأشاد العلماء بفتوى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الأخيرة التي عقدت بالكويت والتي أجاز خلالها زيارة القدس والمسجد الأقصى، والدعوة التي أطلقها الرئيس محمود عباس أبو مازن في كلمته بالقمة العربية بشرم الشيخ، والتي جدد خلالها دعوته للمسلمين الى زيارة القدس والمسجد الأقصى . وطالب علماء الدين وسائل الإعلام بالاهتمام بالقضية الفلسطينية وما يحاك ضد القدس من مؤامرات ومحاولات لطمس هذه القضية لتظل في وجدان كل مسلم. والمعارضون يحذرون من الاستجابة لتلك الدعوة ويطالبون بالحصول على تأشيرة دخول أردنية أو فلسطينية حتى لا تمثل مثل هذه الزيارات اعترافا بالاحتلال الصهيوني لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. ويقول الدكتور علي جمعة, مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء والذي سبق له زيارة القدس، إن دعم أهل القدسوالفلسطينيين يجب ألا يتوقف على الشعارات, ويرى أن زيارته للقدس العام قبل الماضي مبادرة لإعادة النظر في قضية القدس ورسالة إلى جميع المجامع الفقهية والمؤسسات الفقهية المتخصصة يطالبهم فيها بالبدء الفوري في إعادة تقييم ودراسة الموقف الشرعي والرأي الحالي للفتاوى والآراء المتعلقة بكل أشكال الدعم لمنع تهويد القدس والحفاظ على المقدسات الإسلامية، وحمايتها من عبث اليهود وطموحهم في بناء الهيكل المزعوم على أنقاض القدس الشريف. وفي السياق ذاته ثمن الشيخ محمود عاشور, وكيل الأزهر الأسبق, دعوة الرئيس أبو مازن إلى زيارة القدس, مدللا بقوله تعالي في محكم التنزيل (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وقول الرسول الكريم صلوات ربى وسلامه عليه » لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَمَسْجِدِي هَذَا , وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى«. وطالب عاشور جميع المسلمين بالحج للمسجد الأقصى للحفاظ على المقدسات تأكيدا على حقنا في الأقصى ومنع محاولات التهويد التي يسعي إليها اليهود في تخريب وتدمير الأقصى. وأشار إلى أن المسجد الأقصى شهد صلاة الرسول بالأنبياء مؤكدا وحدة الأديان والترابط والتوحد بين الأديان, وأن زيارة الأقصى تأتي تبركا بالرسول, مؤكدا أن الأقصى نهاية الإسراء وبداية المعراج. كما طالب بضرورة توحد العرب والمسلمين في الدفاع عن الأقصى والمقدسات واستردادها من العدو الإسرائيلي وتطهير المسجد الأقصى والحفاظ علي الهوية المسلمة للمدينة بالطرق الدبلوماسية أو اللجوء إلى الأممالمتحدة أو الدفاع عن المدينة بأرواحنا في سبيل تحرير القدس الشريف. ويؤكد الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, أن هذه الزيارة لابد من قيام المسلمين بها, لما فيها من إشعار الفلسطينيين بإخوانهم المسلمين, وتكثير سوادهم, وإعلان تضامنهم معهم, في منع عزلتهم, فضلا عما فيها من إبطال نية الصهيونية من تهويد القدس, وصبغها بطابع يأباه الإسلام والمسلمون, ونجد دليل الوجوب في إصرار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين على دخول مكة, رغم أن بها كفارا أرادوا ألا يدخلها المسلمون, وقد كان هذا الدخول أولا لأداء العمرة, وثانيا لإشعار المستضعفين من المسلمين بها أنهم ينتمون إلى قوة كثيرة العدد والعدة, فلا يتسرب الضعف والوهن والهوان إلى نفوسهم, ولذا فإنه صلى الله عليه وسلم رغم أن مشركي مكة صدوه عن دخولها إلا أنه قبل صلح الحديبية بشروطه المجحفة في أكثرها, رغبة منه في أن لا ينفرد بها المشركون دون المسلمين, والقدس بلد بارك الله تعالى فيه بنص القرآن الكريم, به أول قبلتي المسلمين, وثالث الحرمين, ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم, والموضع الذي جمع الله فيه الأنبياء للصلاة فيه ليلة الإسراء, والمسجد الذي شرع الله شد الرحال إليه للصلاة فيه, لما في الصلاة فيه من مضاعفة الأجر, ولم يشرع السفر لغيره من مساجد للصلاة فيه غير مسجدي مكةوالمدينة. وأشار إدريس إلى أن زيارة القدس واجبة لمن استطاع ذلك, وما قام به بعض المسلمين من غير أهلها بزيارتها يأتي في إطار أداء هذا الواجب, وكل دعوة من أفراد أو مؤسسات أو هيئات تأتي في هذا السياق, وإذا قيل بوجود مفسدة التطبيع مع المغتصب, فإن المصالح المقابلة المتحصلة من الزيارة راجحة, ومن قواعد الشرع أنه إذا تعارضت مفسدة مع مصلحة راجحة قدم تحصيل المصلحة الراجحة بارتكاب المفسدة. وأكد الدكتور محمد إسماعيل البحيري, أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر, إمام وخطيب مسجد زهراء مدينة نصر, أن المصلحة العامة من الدعوة إلي زيارة القدس توصيل رسالة واضحة إلى العالمين العربي والإسلامي بواجب الكل نحو نصرة القدس التي تكاد تكون نسياً منسياً في أوساط الشباب، بالإضافة إلى أنها دعوة إلى تكثيف زيارات الناس إلى المسجد الأقصى كون هذا المسجد يعنى كل المسلمين للحفاظ علي هوية القدس ومحاربة تهويدها وخدمة الاقتصاد الفلسطيني. وأشار إلى أن زيارة المسلمين للقدس تقلل من حالة الاعتداء الصهيوني عليها وتجعل المسلمين ينتشرون في المقدس. وأوضح أنه يجب على العالم الإسلامي والعربي أن يستشعر خطورة عدم زيارة الأقصى لأنه بمثابة مساعدة العدو الصهيوني في محو معالم المدينة المقدسة وخصوصا بعد تكرار الحوادث حول المسجد. وطالب البحيري بضرورة توحد العرب والعالم الإسلامي باسترداد القدس, وأن يتم التنسيق فيما بينهم لتكون تأشيرة الزيارة من خلال إدارة القدس وليس العدو الصهيوني للحفاظ علي الهوية العربية, مؤكدا أن زيارة القدس واجبة ودعم لصمود القدس. من جانبه يرى الدكتور عادل المراغي, الأستاذ بجامعة الأزهر وإمام وخطيب مسجد النور, أن القضية الفلسطينية ضيعت وتجوهلت عن قصد وليس عن غفلة من العرب والمسلمين, مبررا ذلك بوجود مخطط مبنى على أسس واضحة بغرض موت القضية الفلسطينية, ورفض المراغي التخلي عن القضية الفلسطينية, وقال إن الانقسام والخلافات الداخلية لا يسلم منها أحد, ولكن قضية فلسطين قضية تراث يتعلق بالإسلام والثقافة الإسلامية, وقال إن شتات وتمزق إخواننا الفلسطينيين يستدعى منا تكثيف الجهود ومضاعفتها لرأب هذا الصدع وليس التخلي عنهم، انطلاقا من قوله تعالى: » إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ » وقوله أيضا » فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ». وطالب وسائل الإعلام بأن تخصص برامج ثابتة عن فلسطينوالقدس وتعريف الناس بما يحاك ضد القدس من مؤامرات ومحاولات لطمس هذه القضية لتظل في وجدان كل مسلم، وأن تتضمن مقررات التعليم في جميع مراحلها قسطا وافرا عن القضية الفلسطينية. تأشيرة دخول وعلى الرغم من تأييد كثير من علماء الدين للدعوة الى زيارة القدس، فإن المؤسسات الدينية الرسمية المصرية مازالت رافضة لزيارة القدس، بينما أجاز آخرون الزيارة وفق ضوابط وشروط يوضحها الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء قائلا: إنه يجب أن يحصل المسافر على تأشيرة دخول من الأردن أو فلسطين، ولا يجوز الحصول على تأشيرة من العدو المغتصب. وأكد انه قام بزيارة إلى الأقصى في عهد الرئيس أبو عمار مع شيخ الأزهر السابق الدكتور طنطاوي لتكريم حفظة القرآن الكريم بطائرة خاصة من أبو مازن، وطالب الجميع في الوقت الحاضر بضرورة التوحد وان تكون إدارة القدسفلسطينية وان تمنح التأشيرة لزيارة القدس عن طريق فلسطين أو الأردن للحفاظ علي القدس والهوية الإسلامية. وفي سياق متصل أكد الدكتور نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء أن زيارة القدس وهي تحت الاحتلال الصهيوني تعد نوعًا من التطبيع، وقد يؤدي الأمر إلى الإيحاء بأن مشكلة احتلال القدس قد حلت بدليل أن زيارتها أصبحت مفتوحة للجميع. وأضاف أن نصرة القدس بشكل عملي تأتي عبر تدعيم المقدسيين سياسيا واقتصاديا لتثبيت وجودهم داخل القدس ليكونوا شوكة في حلق مخطط التهويد، وإثارة الأمر بشكل منهجي مع منظمات حقوق الإنسان، وذلك مع الاستمرار في حظر التطبيع السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي مع إسرائيل،.وطالب واصل بتحرك عربي إسلامي فاعل لإحياء قضية القدس دوليًا على محاور جديدة، واتخاذ مواقف أكثر جدية وتنظيما في المحافل الدولية ضد إسرائيل وممارساتها في المدينة المقدسة. من جانبها قالت الدكتورة آمنة نصير, أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إن علماء الأزهر متفقون منذ سنوات على عدم زيارة القدس وهي تحت الاحتلال، ويشارك في هذا موقف الكنيسة المصرية التي ترفض زيارة المسيحيين لها إلا بعد تحرير المدينة المقدسة من دنس اليهود، بالرغم مما قام به البعض من زيارة القدس مؤخرًا. وأعربت الدكتورة آمنة نصير عن تخوفها من أن تقتل هذه الدعوة لزيارة المسجد الأقصى العداء في نفوس العرب والمسلمين تجاه اليهود، لأن ذلك يعد دعوة للتطبيع مع العدو الصهيوني تحت ذريعة زيارة المسجد الأقصى. وطالبت ملك الأردن بإن يساعد كلا من المسلمين والمسيحيين لزيارة الأقصى عن طريق تأشيرة دخول من الأردن لأن ذلك يعتبر عاملا دبلوماسيا في أن بيت المقدس أرض عربية.