أثارت زيارة الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية مدينة القدس اليوم تحت دعوى الصلاة في المسجد الأقصى بصحبة شخصيات رسمية أردنية جدلا واسعا بين علماء الدين في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. فالمؤيدون يرون أن هذه الزيارة ترسخ لمفهوم عروبة القدس، والمعارضون يرفضونها لأنها تعطى شرعية للكيان الصهيوني الذي يشترط لدخول مدينة القدس أن يضع ختمه على جوازات السفر وتأشيرات الدخول، مؤكدين تمسكهم بموقف الأزهر الشريف والكنيسة المصرية السابق عدم زيارتها إلا بعد تحريرها من الصهاينة المغتصبين. وأعلن الدكتور إبراهيم نجم المستشار الإعلامي لمفتي الجمهورية أن زيارة المفتي لمدينة القدس وصلاته بالمسجد الأقصى لا تعني التطبيع مع الكيان الصهيوني وأنها جاءت في إطار علمي غير رسمي، نافيًا أن يكون المفتى قد حصل على تأشيرة دخول من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وأوضح نجم أن المفتي زار القدس ضمن وفد من الديوان الملكي الأردني المشرف على المزارات المقدسة للقدس الشريف ولا يحتاج لأي تأشيرات أو إذن للدخول. وقال نجم إن المفتي أعلن لأعضاء الوفد الأردني ضرورة إقامة مؤتمر صحفي توضيحي لأغراض الزيارة وأنها ليست بهدف التطبيع مع إسرائيل وإنما بهدف التأكيد على إسلامية وعربية المدينة المقدسة، وأن إسرائيل مهما طال بها العمر أو استقوت بالجانب الأمريكي فلن تفلح في إثناء المسلمين والعرب عن الدعم الكامل لبيت المقدس والعودة إلى المسجد الأقصى خاصة بعدما زالت الأنظمة المستبدة التي كانت تدعمهم وتساند وجودهم، وأن حضوره اليوم إلى القدس جاء بمثابة إعلان لإشارة العودة إلى القدس مرة ثانية في ظل حماية شعبية والتأكيد على حق ثابت رفض القانون الدولي إثباته لكن القانون الطبيعي. وقال إن الدكتور على جمعة كثيراً ما أعلن رغبته في زيارة بيت المقدس ليجمع بين الصلاة في الأماكن المقدسة الثلاثة قبل أن يدركه الأجل ولكنه رفض مراراً ذلك حتى أتيحت له هذه الفرصة التي يتمناها كل مسلم تحت إشراف كامل من السلطات الأردنية. وعلى قدر ما أثارته الزيارة من ردود أفعال في العالم الإسلامي، تباينت آراء علماء الأزهر بين مؤيد ومعارض لتلك الزيارة، وكان من أبرز المؤيدين لها الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، حيث يقول إنني أؤيد زيارة المفتي للقدس لأنها عمل يلفت أنظار العالم أجمع إلى أحقية المسلمين والعرب في القدس والمسجد الأقصى المبارك، كما تصحح مسارا خاطئا لمفاهيم يهودية وصهيونية تم بثها في عقول الرأي العام العالمي بأن القدس عاصمة لإسرائيل. ويقول الدكتور طه أبو كريشة نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية أنه كان لا يتفق مع منع الزيارات للقدس لأن ذلك معناه التسليم الكامل بأن تكون القدس الشريف تحت سيطرة اليهود إلي الأبد، ويطالب بأن تكون الزيارة للقدس مستمرة في كل وقت لأن فيها إعلانا ورسالة واضحة علي أن القدس والمسجد الأقصى في قلوب المسلمين في كل وقت لا يتخلون عنه أبدا، ويؤكد أن معني الزيارة ليس التسليم بالأمر الواقع بل توضح أن المسلمين لن يتخلوا عن ثالث الحرمين وأولي القبلتين في أي وقت من الأوقات ولا تحت أي عارض من العوارض التي قد تكون عائقا في مسيرة الوصول لهذه الغاية. ويري أنه لا علاقة بين زيارة القدس والأمور السياسية التي تعني التسليم الكامل بأن يكون المسجد الأقصى جزءا من الدولة الصهيونية بل العكس هو الذي يجب أن يكون وأن نكون متواصلين علي كل المستويات فيما يخص زيارة القدس الشريف لأن ذلك يعني أن القضية حاضرة في القلوب كما أن ذلك يكون باعثا قويا للوصول للتحرير الكامل للمسجد الأقصى وما حوله. وأكد الدكتور عبد الغفار هلال الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية بأن الصلاة في المسجد الأقصى مطلوبة شرعا فالنبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" فهذا الحديث دعوة للسفر وإلى العزيمة للصلاة في المسجد الأقصى لأنه يمثل أحد ثلاثة مساجد التي يدعو الإسلام إلى زيارتها وإلى الصلاة فيها، وعلى ذلك فإن زيارة المفتى إلى القدس والصلاة فى المسجد الأقصى جائزة شرعا وصحيحة ولا غبار عليها ونحن هنا نفرق بين السياسة وبين الدين فأمر احتلال المسجد الأقصى مسألة سياسية يجب على أهل السياسة أن يعملوا من أجل تخليص المسجد الاقصى الأسير من الاحتلال ، ويجوز دينيا للمسلمين أن يصلوا فى المسجد الأقصى فحينما أسرى النبى صلى الله عليه وسلم للمسجد الأقصى لم يكن فى ذلك الوقت تحت إمارة المسلمين فهذا يشفع لأى زائر أن يزور المسجد الاقصى وأن يصلى فيه. ومع ذلك يجب علينا جميعا أن نهتم بقضية الأقصى ولعل زيارة المفتى للقدس هى لفت لانتباه الأمة الإسلامية إلى تحرير المسجد الأقصى وكأنه يقول لهم لا تشغلكم المشكلات اليومية عن أن تتذكروا أن لكم مسجدا عظيما أسيرا في يد الاحتلال فعليكم أن تتيقظوا وأن تعملوا على تخليصه من براثن الكيان الصهيونى.وفى النهاية إذا كان دخول فضيلة المفتى القدس من منطلق العبادة فهذا أمر جائز وإذا كان دخوله مخالفة للاتفاق الذي تم بين رجال الأديان على ألا يدخل أحد منهم القدس إلا بعد التحرير ستكون هذه المخالفة موجبة للنظر ولعل لديه الدافع الذى سيظهره للجميع إذا كانت الزيارة دينية بحتة أم لها هدف آخر. يأتي ذلك فيما رفض علماء الأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية، والجمعية الشرعية، قيام مفتى الجمهورية بزيارة القدس وهى تحت الاحتلال مؤكدين عدم جواز زيارة القدس في الوقت الحالي وهي تحت وطأة الاحتلال الصهيوني، يري الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية أن زيارة الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية للقدس هي زيارة محزنة ومؤسفة، وقال أري من العار علي كل مسلم أو مسيحي يذهب للقدس وهي تحت العلم الإسرائيلي لأن هذا يعد اعترافا صريحا بأن القدس تحت الاحتلال الصهيوني، وكنا نتمنى أن ندخلها جميعا وهي تحت العلم الفلسطيني وعاصمة للدول الفلسطينية بدلا من أن نزورها وهي تدنس كل يوم من العدو الصهيوني فكل يوم هناك مشروعات للمستوطنات الإسرائيلية من أجل تغيير الملامح التاريخية للمدينة. وأشار إلي أنه يرفض مقولة البعض بأن تلك الزيارات تعد دعما للشعب الفلسطيني وهذا ليس حقيقة فأين الدعم الذي يقدم للفلسطينيين من وراء تلك الزيارات، بالعكس كل من يذهب للقدس في ظل هذه الظروف يذهب دون أن يقدم أي شكل من أشكال الدعم للإخوة الفلسطينيين فهل نذهب للقدس لنزيد عدد الذين يتحسرون عليها أم ماذا؟ وأضاف لا يوجد أي دافع لأي مسلم لزيارة القدس في الوقت الحالي. وأعلن الدكتور نصر فريد واصل، مفتي الجمهورية الأسبق، رفضه زيارة القدس كخطوة لكسر الهيمنة الصهيونية عليه، مشيرا إلى أن زيارة القدس وهي تحت الاحتلال الصهيوني تعد نوعًا من التطبيع، وقد يؤدي الأمر إلى الإيحاء بأن مشكلة احتلال القدس قد حلت بدليل أن زيارتها أصبحت مفتوحة للجميع. وأكد الدكتور محمد المختار المهدي الرئيس العام للجمعية الشرعية وعضو مجمع البحوث بأن الجمعية الشرعية أعلنت رأيها في هذه القضية منذ سنوات طويلة بأنها ضد زيارة القدس إلا بعد تحريرها من الاحتلال الصهيوني، وأشار المهدي بأن هدف إسرائيل الأساسي والذى تريد ترسيخه إعلاميا فى العالم أجمع هو أنها حامية لحرية العقيدة فحينما يستجيب المسلمون لزيارة المسجد الأقصى ويستجيب المسيحيون لزيارة كنيسة القيامة من خلال السلطات الإسرائيلية، فإنها ستقول للعالم ماذا يريد المسلمون والمسيحيون غير زيارة مقدساتهم وقد أتحناها لهم فلماذا يطالبون بمدينة القدس وهى عاصمة لإسرائيل؟ وبهذا نعطيهم ذريعة لتمسكهم بها باعتبارها عاصمة لإسرائيل والإطاحة بمطالب المسلمين بتحرير القدس. كما انتقد الدكتور صفوت حجازي، رئيس رابطة علماء أهل السنة والمتحدث باسم اللجنة الشعبية لمقاومة تهويد القدس زيارة مفتى الجمهورية للقدس تحت زعم الصلاة بالمسجد الأقصى أو زيارة المقدسات الإسلامية هناك، مشيرا إلى أن هذه الزيارة تعد سقطة صادمة للشعوب إضافة إلى أن الدعاة هم القدوة وإقبالهم على مثل تلك السقطات قد تدفع من خلفهم إلى الانجرار إلى نفس السقطات، وقال حجازي لا أوافق على هذه الزيارة ولا يوافق عليها أي مسلم وتعد لونا من ألوان التطبيع.