«بيت بعيد» للشاعر المغربي الشاب: عبد الرحيم الخصار 1975 في مدينة اسفي علي شاطيء الأطلسي: «ديوان شعر جديد» صادر عن السلسلة المهمة التي تقدمها هيئة الكتاب: «سلسلة ابداع عربي» بعد أن استمتعت بقراءة المقطوعات السبع التي يتكون منها الكتاب، وعاودت القراءة مع المقدمة القصيرة التي صدر بها الشاعر اللبناني المجدد: وديع سعادة يقول في السطور الأخيرة للتقديم: أحسب أن عبد الرحيم الخصار عش قديم علي غصن شجرة مريضة بالحنين، يواصل التغريد وفاء للطائر الميت. اسم جديد سيبقي في ذاكرة الشعر العربي: عبدالرحيم الخصار. سألت نفسي بعد أن تذوقت ما في صفحات الديوان من حياة نابضة وكلمات حية، وصور نادرة جديدة: إلي أين تقودنا قصيدة النثر؟ وسألت نفسي في حيرة هل هذا هو أقصي مايقدمه لنا زماننا البخيل من شعر وموسيقي جديدة تصاحب حياتنا المرتبكة الغامضة في المغرب والمشرق؟ صدق الكلمات، وحرارة البحث عن معني للوجود تصاحبك من أول صفحة إلي آخر سطر (3 مقطوعات طويلة، و4 قطع تتكون من تصاوير شطرية قصيرة) هذا هو الديوان الرابع للشاعر الذي حقق وجودا أدبيا بين الخاصة من الدار البيضاء إلي بيروت.معتمدا علي صدق كلمات وحرارة تعبيره عن الزمن العربي الراهن (أخيرا وصل الشتاء: 2004 المغرب، انظر واكتفي بالنظر 2007 المغرب. نيران صديقة لبنان 2009 بيت بعيد: القاهرة 2013). في أول مقطوعة: طيران حر يقول: اهدأ يا قلبي كلانا أخطأ الوجهة أنت أعمي وأنا وثقت بك يقودنا «الخصار» في ديوانه الرابع إلي الحقول، إلي الشوق، إلي حرية وعودة إلي طبيعة مهجورة تنادي انسانا تسحقه الزحمة والقطارات. يصف حالنا العربي في قطعة قصيرة بعنوان: «خوارج» فيقول: «نحن الخوارج الجدد، قرضنا الخرائط وكتب التاريخ، كل جرذ منا ملك، قصره يبدأ من الباب وينتهي عند النافذة، عرشه: لا عرش له.ورعاياه عشرات الطوابير من الكتب. دخلنا المدمار بلا دليل، وراهنا علي خيول مريضة، قبلنا العيش هنا علي مضض، لأن الليل سيعاتبنا إن لم نسامره، خرجنا من حروبنا بلا غنيمة. لكننا كنا نبتسم، تقفينا آثار بعضنا حتي ضيعنا الطريق إلي الكنز» عناد فكري ونظر فلسفي يسوده ايقاع قاس يقود إلي بقع داكنة تصف حال الروح العربية التواقة إلي أفق جديد. تعبير حر عن واقع مرتبك تخاطب مستمعا افتراضا بصور مكونة من كلمات مشحونة بموسيقي جديدة،كما يقول في آخر مقطوعة «طيران حر». سأملأ دولابك بالكلمات انها تلمع أيضا مثل الذهب أو كما يقول في آخر الديوان: سوف تدمع عيناك وأنت تقرأ هذه الكلمات مثلما دمعت عيناي وأنا أكتبها في غمرة الأشعار التي قرأتها جملة وحيدة علقت بيدي: لا أحد سيحبك أكثر مني الشاعر عبد الرحيم الخصار يملك معرفة بالشطر العربي ويتوق إلي نوع من الحرية الفنية والاجتماعية كي يصل من خلالها إلي نوع جديد من الفرح الوجودي العادل الذي حرمتنا منه قيود أشكال فنية واجتماعية خانقة للفرح وللموسيقي. يقول في قطعته«رغم ذلك»:«لم أولد في بيت تتراص فيه الشرفات والغرف، وتمتد في حديقته أرجوحة، لم أولد في بيت يتوسطه بيانو أو تعتلي جدرانه لوحة رسم، لم أنم في مهد، ولم أستند إلي خزانة، لم أجد قبالتي سوي امرأة تبكي دون سبب، وعلي الرغم من ذلك فابتسامتي تغمر الأرجاء والموسيقي التي تسيل من أصابعي قد تحول الخراب من حولي إلي حفلة رقص. «بيت بعيد» الديوان والشاعر يثير بوضوح مسألة «قصيدة النثر»: لقد صارت في عالمنا العربي«صوت العصر» واحتملت في مصر وفي مشرق العالم العربي وغربه تجارب متنوعة وثرية، بل أكاد أزعم أنها أعلنت استقلالها عن أصولها الفرنسية والانجليزية والأمريكية، وقدمت تجارب جديدة في البناء والموسيقي الشعرية الجديدة، مختلفة وأصيلة حتي عن قصائد «الهايكو» اليابانية، والهايكو الحديثة: لقد أصبح خلال السنوات الأخيرة وجود خاص لقصيدة النثر العربي. بعض التجارب التي يحملها هذا الديوان مثلا: القصائد الطويلة مثل: «أمامنا الجميع وخلفنا لا أحد. وقصيدة: عازف مخمور وقصيدة: «أزرع شتاتي في بستان» الثلاث قصائد الطويلة في حاجة إلي تأصيل نقدي حيث يتوه شكل القصيد وروح الشاعر في نبرات سردية ومقاصد في رواية سيرة أو اعتراف نثري يحرمنا من روح الشعر التي يمتلكها الخصار باقتدار في قصائده القصيرة. أحب أن أقرأ معك مرة أخري قصيدة «فزاعة»: أو بالمصري «خيال المآتة» يقول: «هذه الفزاعة لماذا ألبسوها جلباب جدي؟ جدي لم يكن يخيف الطيور. كان يترقب عودتها من الشمال ويفرش لها الحنطة في راحة اليد. الفزاعة السوداء في الحقل المائل أستعيدها الآن مثل رعب في منام طفل. لأنها لم تكن تخيف الطيور. كانت تخيفني أنا. الكلمات التي يحبها الأديب الشاعر عبدالرحيم الخصار تنتظم في هذه الصورة الحية انتظاما شعريا يصنع قصيد نثر عربي جميل في طريق بحث العرب عن حريتهم الجديدة. لمزيد من مقالات علاء الديب