بمجرد إنطلاق عاصفة الحزم لمواجهة الحوثيين في اليمن ،إنطلقت في لبنان عاصفة سياسية خارجية المغزي والهدف هذه المرة بعيدا عن عواصف لبنان الداخلية التي لاتنتهي حيث بادر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بإلقاء خطاب ناري وهوالذي تحارب صفوة عناصر حزبه في سوريا إلي جانب بشار الأسد، وفي العراق إلي جانب قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، لمواجهة داعش والنصرة والجيش الحر في سوريا ،ومواجهة داعش في العراق،وبمجرد إنتهاء خطاب نصرالله بادر رئيس وزراء لبنان الأسبق وزعيم تيار المستقبل السني سعد الحريري بالرد عليه واصفا كلامه بعاصفة الكراهية ضد السعودية صاحبة الأيادي البيضاء علي لبنان. وبالرغم من محاولات الرجلين- نصر الله والحريري- المستميتة لاستمرار الحوار الذي بدأ منذ شهور بين حزب الله والمستقبل لرأب الصدع بين السنة والشيعة في لبنان حتي لاتفلت الأمور من عقالها ،إلا أن حدثين مهمين قد ينسفان الحوار من أساسه وهما شهادة رئيس وزراء لبنان الأسبق فؤاد السنيورة في المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الحريري حيث جاءت شهادته إدانة واضحة لحزب الله وسوريا بإغتيال الحريري الأب في 2005،والحدث الثاني هو مايحدث في اليمن حيث المواجهة العربية الحربية ضد جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا والمحسوبة علي الشيعة . حيث إتهم نصر الله السعودية صراحة ولأول مرة بتعطيل الإنتخابات الرئاسية في لبنان عن طريق وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل الذي يضع فيتو علي مرشح حزب الله للرئاسة العماد ميشال عون ،مدافعا عن إيران قائلا إن طهران لم ولن تتدخل في إختيار اللبنانيين لأي رئيس يرتضونه ولم تتحدث في هذا الأمر مطلقا،كما وصف نصر الله عاصفة الحزم باليمن بأنها نكاية سعودية في ثورة الشعب اليمني ،قائلا:" ما الذي حصل حتى هبّت عاصفة الحزم عند النظام السعودي وعند حلفائه، وأصبحنا نرى وجود حزم عربي وشهامة عربية وشجاعة عربية وبطولة عربية وإرادة عربية، ما شاء الله، شيء ملفت حقيقةً، ولكن المؤلم أننا على مدى عقود نحن في فلسطين وشعوب المنطقة التي تعيش في جوار فلسطين وتكابد منذ 1948 إلى اليوم معاناة ومصائب وجود الكيان الاسرائيلي في فلسطين لم تهبّ علينا لا عاصفة حزم ولا نسمة حزم، كنا نحلم بنسمة عربية من هذا النوع، للأسف الشديد لم يحصل شيء من هذا".مذكرا بأن لا أحد شكل جبهة عربية لإعادة شرعية زين العابدين بن علي في تونس أو حسني مبارك في مصر. وبعد تفنيد لأهداف عاصفة الحزم علي اليمن ختم نصرالله قائلا: : نحن ندين العدوان السعودي الأمريكي الظالم على اليمن وشعبه وجيشه ومنشآته وحاضره ومستقبله، وندعو إلى وقف هذا العدوان من الآن. في كل لحظة ندعو إلى وقف هذا العدوان، وأخيرا ندعو إلى استعادة مبادرات الحل السياسي في اليمن وهو أمر ممكن. وحول شهادة السنيورة في المحكمة الدولية ضد حزب الله وسوريا قال نصر الله:" الكل في لبنان والعالم يعرف أننا قبل سنوات تحدثنا بوضوح وأعلنّا موقفاً واضحاً وحازماً ونهائياً من موضوع أصل المحكمة وتركيبتها وأهدافها وأدائها وقوانينها ونتائجها ، وهذا محسوم بالنسبة لنا، ولذلك لا يعنينا ما يجري في هذه المحكمة وإن كان قد تابع اللبنانيون الشهادات المطولة وسمعوا الكثير من القَصص ولم يلحظوا حتى الآن أي كلام له قيمة قانونية، فأنا لست معنياً لا بالدخول في النقاش أو التعليق على هذا الأمر ولكن أود أن أذكر فقط أننا لا نعلق على كل ما يقال في المحكمة لأن المحكمة أصلاً وتفصيلاً وفرعاً وابتداء اًو نهاية، موقفنا منها حاسم وواضح، وعندما يكون الشيء بأكمله مرفوض بالنسبة إلينا، فنحن لسنا بحاجة إلى أي تعليق"،مؤكدا إختيار الحزب الحوار مع المستقبل لمصلحة وطنية ، أن يجلس مسئولو حزب الله وحزب المستقبل لتخفيف الاحتقان المذهبي خصوصاً ومنع انهيار البلد وبالملفات التي نستطيع أن نتعاون وأن نتفاهم وأن ننجز، فليكن ذلك، ومنذ البداية، كانت هناك جهات سياسية في لبنان، وقوى سياسية خارج تيار المستقبل وداخل تيار المستقبل، ترفض هذا الحوار وتعارضه بشدة وتعمل على تخريبه، ومنذ اللحظة الأولى لانطلاق هذا الحوار ولاتزال تعمل وتستغل كل فرصة في سبيل هذا الهدف، ومنها مجريات ما يُدلى به من شهادات في المحكمة الدولية ،وبالنسبة إلينا نحن لا نعير هذه الأصوات وهذه المواقف أي اهتمام، نحن سنواصل هذا الحوار طالما أنه يمثّل مصلحة وطنية وليس حاجة فئوية في الحقيقة، ونتحمل كل هذه الاستفزازات وصدرنا رحب ونستطيع أن نتحمّل كل هذه الاستفزازات، داعيا جمهور المقاومة إلى الصبر والتحمّل وعدم الاعتناء بهذه الأصوات، لأن هدفها إعادة التحريض الطائفي والمذهبي وإحياء الفتنة، ولأن هؤلاء لا مكان لهم إلا في ظل الفتنة، في ظل الانقسامات الحادة، وفي ظل الصراعات الداخلية، لذلك نحن لا نريد أن نحقق لهم ما يريدون. الأمر يحتاج فقط إلى بعض التحمّل وتجاهل كل هذه الاستفزازات التي تحصل. وبمجرد إنتهاء نصرالله من خطابه الناري ضد السعودية وعاصفة الحزم باليمن بادررئيس وزراء لبنان الأسبق وزعيم تيار المستقبل السني سعد الحريري بالرد على خطاب السيد حسن نصر الله، عبر تغريدات عدة على تويتر،قال فيها:"استمع اللبنانيون هذا المساء لعاصفة من الكراهيات ضد المملكة العربية السعودية ودول الخليج، رداً على عاصفة الحزم ضد التغلغل الإيراني في اليمن". مؤكدا أن عاصفة الكراهية لا تستحق سوى الاهمال، لأنها وليدة الغضب والاحباط والتوتر. وأشار الحريري إلي ان الإصرار على وضع مصالح ايران فوق مصلحة لبنان، أمر قائم منذ سنوات، ولن نعترف بجدواه ولن يدفعنا اليوم إلى مجاراته بردود متسرعة، أما العلاقة مع السعودية ودول الخليج، فهي كانت وستبقى أكبر من أن تهزها الإساءات والحملات المغرضة، موضحا أن السعودية قدمت للبنان والدول العربية الخير والسلام والدعم الأخوي الصادق، وسواها قدم ويقدم مشاريع متطورة للحروب والنزاعات والهيمنة. ومن جانبها أكدت قوى "14 آذار" التي من بينها تيار المستقبل أن ما يحصل في اليمن هو رد فعل وليس فعلا بحّد عينه، حيث إن الدعم الإيراني اللامحدود لجماعة أنصار الله، والتقاء مصالح هؤلاء مع جماعة الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي لا يزال يحظى بولاء كبير في صفوف أكثر من وحدة عسكريّة في الجيش اليمني، أسفرا عن اختلال كبير في توازن القوى، ومنعا حصول تسوية متوازنة. ومن الطبيعي أن تتحرّك السعودية والدول الخليجيّة للدفاع عن أمنها ونفوذها الاقليمي في ظل التوسع الإيراني الكبير في المنطقة، وأنه من الطبيعي أن تدعمها قوى "14 آذار" على المستوى السياسي. ونفت أن يكون هذا الموقف ناجماً عن مصالح سياسيّة أو مالية ضيّقة، كما يُروّج البعض، بل عن قناعة تتمثّل في دعم الأغلبيّة العربيّة ضد أقلية مدعومة من دولة من خارج النسيج العربي تحاول توسيع نفوذها الإقليمي لأهداف سياسية وعقائدية خاصة بها، ولمصالح شخصية تأمل توظيفها على طاولات التفاوض العالميّة بين طهران وباقي دول العالم. أما قوي قوى "8 آذار" التي من بينها حزب الله فأكدت أنه من غير الممكن التغاضي عما يحصل في اليمن، وعدم إدانة التحركات العسكرية هناك، لأن هذا السلاح الخليجي والعربي الذي لم يتحرك يوماً ضد العدو الإسرائيلي يُستخدم اليوم في ساحة قتال وهمية، ومن دون أي بُعد استراتيجي أو هدف واضح غير صبّ الزيت على النار، ولن يؤدي هذا التدخّل العسكري إلى أي تغيير في الواقع القائم في اليمن، بل إلى نتائج عكسية ، وإلى تنامي مشاعر عدائية بين العرب ، وبينهم وبين إيران . وعن موقف لبنان الرسمي مما يحدث في اليمن فإن رئيس وزراء لبنان تمام سلام أكد في مؤتمر القمة العربية بشرم الشيخ إلتزام بلاده بالإجماع العربي . وبالرغم من موقف نصر الله والحريري المتناقضين مما يحدث في اليمن،ومؤازرة 8آذار لما قاله نصر الله،وتأييد 14آذار لما ذهب إليه الحريري،فإن إنقساما حادا حدث بين الفريقين قد ينسف الحوار بين المستقبل وحزب الله،ويعيد الشحن الطائفي بين الفريقين إلي المربع صفر.