قابلت زميل لي في العمل ذات صباح يبدو عليه الضيق الشديد فسألته عن السبب لأنه دائم الابتسام ولم يعتاده أحد أن يراه عبوس الوجه فتنهد قليلا وقال " عندي مشكلة مع إبني الكبير " فإبتسمت وقلت " كلنا هذا الرجل " مع أن الأم هي من تعاني أكثر من الأب مع الأبناء وتقويمهم . فتربية الأبناء ليست بالأمر الهين يحتاج إلي حكمة وصبر ومشاكلهم تتغير من جيل إلي جيل ومن بيئة إلي أخري بل وإختلفت من أسرة إلي أخري نتيجة لتفاوت الطبقات الاجتماعية وإرتفاع مستوي طلبات الأبناء بسبب ما يشاهدونه علي شاشات التليفزيون وما يرونه من حولهم داخل المدرسة أو في النادي والكارثة الأكبر ما يقع أمام أعينهم علي مواقع التواصل الإجتماعي.
فقد تنوعت مشاكل الآباء والأمهات مع أبنائهم ما بين طفل يكذب وأخر يسرق زملائه وثالث أناني لا يحب أخواته ورابع يكره تنفيذ ما يطلبه والديه منه وتكبر المشاكل ويتسع مداها كلما إنتقل الطفل من مرحلة إلي أخري فنجده في سن المراهقة يعلو صوته علي أمه أو يحاول التدخين أو يريد أن يترك المنزل ليعيش مع أحد أبويه في حال الإنفصال وربما يتطور الأمر ليصل إلي مصادقة أصحاب السوء وإدمان المخدرات.
في هذه الأيام أصبحنا لا نقابل أما أو أبا إلا نجدهم يعانيان من مشاكل مع أبنائهم كما يقف العديد منهم مكتوفي الأيدي أمام تمّرد وغضب أطفالهم ورفضهم لطاعتهم إلى جانب بعض التصرفات المستفزّة منهم ونجدهم يبحثون دائماً عمن يستطيع مساعدتهم في تربية أولادهم التربية السليمة حتي لا يتحول الإبن أو الإبنة إلي كائن لا يمكن التعامل معه كائن لا يري إلا مطالبه ولا يريد إلا تحقيق رغباته الشخصية .
وهناك حقيقة علمية تؤكد أن تربية الولد تختلف تماما عن تربية البنت فقد كنا نعتقد ان الاولاد والبنات يحتاجون في معظم الاحيان الرعاية نفسها إلا ان الابحاث الحديثة تظهر ان تفكير الولد يختلف تماماً عن البنت وربما يكون هذا دليلا بيولوجيا على ما يقال عن الاولاد انهم يكبرون بشكل ابطأ ويميلون الى الانشطة الجسدية والمخاطرة اكثر من البنات وهذا ما يعرفه جيدا من لديه ولدا وبنتا متقاربان في العمر.
إن التربية السليمة للأطفال تعمل علي خلق جيلاً واعدا يستطيع أن يتحمل مسئولية نفسه وعائلته في المستقبل وكل أسرة تسعي دائماً إلي تربية أبناءها تربية صالحة ومثالية ومما يساعد على تربيتهم وتنشئتهم بشكل سليم هو أن تكون للوالدين أهداف واقعية غير خيالية تتماشى مع مراحل النمو واحتياجاتها كتنمية حب الخير فيهم وإحترام الآخرين وغير ذلك حتي يمكن بناء شخصية سوية جسديا ونفسياً وروحياً وفكرياً.
وحاول علماء النفس في العالم وضع حلول وقواعد للتربية الصحيحة منها علي سبيل المثال : 1- بعد إعلام الطفل بطلبك أو تذكيره وعدم قيامه بأي ردّة فعل منه، أنذريه بما ينتظره وإذا لم ينفّذ عدي إلي ثلاثة وعند وصولك إلى الرّقم ثلاثة عدّي بصوت مرتفع لتنبّهيه إلى مصلحته والأطفال الذين يقاومون هذا الأسلوب قليلون لكن إذا لم يلتزم بادري إلى العقاب ولا تتهاوني في التّنفيذ حتى لا تفقدي سلطتك.
2- تذكّري بأنّ الطّاعة لا تتم بالقوّة, فالمرح واللّعب واللّجوء إلى الخيال يفيد في بعض الأحيان أكثر من الأمر المباشر، في حال امتنع طفلك عن إكمال طعامه على سبيل المثال، يمكنك أن تقولي له: "أنت بحاجة للقوّة لتصبح كبيراً بسرعة مثلي".
3- قد لا يطيعك طفلك في كلّ الأوقات ولكنّه يمكن أن يكون مثالياً فى أوقات أخرى إذا قام بواجبه في أحد الأيّام من دون اضطرارك لطلب ذلك لا تنسي أن تمدحيه وتهنئيه مما سيخلق لديه رغبة بإعادة الكرّة ويعزّز ثقته بنفسه.
4-من الأفضل أن تعتمدي على تعليمات مختصرة وواضحة، ولا تدخلي بشرح طويل قد يصيبه بالملل.
5-بما أن الطّفل في فترة تعلم واكتساب يجب ألا تردّدي القواعد والتّعليمات لعشر مرّات أمامه لأنه قد يعتاد إهمال المرّات الأولى والمماطلة في الاستجابة إلى المرّة الخامسة أو السّادسة مثلاً.