تنعقد المؤتمرات ثم تنفض، وتعقد الاجتماعات ثم تنتهي، وتتعالى الصيحات والنداءات بضرورة تعديل الخطاب الدينى بالعقل والحكمة والموعظة الحسنة، للخروج من المأزق الراهن. وفى الحقيقة أن كل هذا لن يجدى فى تغيير العقائد الفاسدة والعقول المتحجرة، ولن ينفع مع الذين حملوا السلاح ضد الجيش والشرطة والشعب لأن هؤلاء الخوارج قد حكموا على أنفسهم بأن يصبحوا فى خندق الاعداء وعلاجهم الناجز يكون بالقانون الحاسم الباتر.. أما القضية الأساسية فهى تجفيف منابع الإرهاب لكى لايخرج علينا جيل جديد يحمل نفس الأفكار التكفيرية، والعلاج لن يكون إلا بعودة الأزهر إلى سابق عهده، فقد تجمد دوره بصدور قانون تطويره سنة 1960 ، فهذا القانون كان سببا مباشرا فى تقويض رسالته الخالدة، والدليل على ذلك أن شيخ الأزهر حينذاك محمود شلتوت أيقن مبكرا ان دور الأزهر التاريخى قد انتهى بدخول الكليات العملية لهذه الجامعة العريقة، فتقدم باستقالته إلى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر جاء فيها :«سيادة الرئيس لقد أفلت زمام الأمور من يدي، وانتقلت من سيئ إلى اسوأ، حتى تحول الأزهر عن رسالته، ولم يصبح لمشيخة الأزهر فعلا وجود أو كيان، فإما أن اسكت عن تضييع أمانة الأزهر، وهو ما لا أقبله على دينى وكرامتي، وإما أن أتقدم آسفا بطلب إعفائى من حمل هذه الأمانة، التى أعتقد عن يقين انكم تشاركوننى المسئولية فى حملها امام الله والتاريخ». إن غياب دور الأزهر أدى إلى خلو المنابر من رجال الدعوة الوسطية فاعتلاها دعاة الفرقة والغلو والعنف والمتطرفون، وخلت المدارس من معلمى اللغة العربية والتربية الدينية خريجى الأزهر فأسندت تلك المهمة الخطيرة إلى غير المتخصصين أمثال خريجى المدارس الصناعية والزراعية، ولان فاقد الشئ لايعطيه تدهورت أحوال المدارس. وفى يقينى أن منظومة الحياة فى مصر لن تسير فى مجراها الطبيعي، ولن تسود القيم الأخلاقية مجتمعنا، ولن يعود الأمن والاستقرار لربوع الوطن إلا بعودة الأزهر لسابق مكانته ورسالته التى اقترنت به عبر القرون الخوالى حصنا للغة، ومنبرا للدعوة، ومنارة للشريعة من خلال مسئوليته عن الكليات النظرية فقط. م. محمد أحمد برمو إدكو البحيرة